سرد فيه الكثير من الوقائع الحقيقية لحال اولادبوسيف ومكانتهم بين القبائل وما لمشايخهم الكبار من هيبة أقول والله اعلم :..
في أيام الجهاد .
بطبيعة الحال، كان سكان المنطقة الساحلية أول من وقع عليهم ظلم الإيطاليين وحيفهم، ولهذا سارعوا إلى الجهاد ضد الغزو الإيطالي، وحسب رواية صاحب جهاد الأبطال الذي كان إذ ذاك في خضم الأحداث ، فإن هؤلاء كانوا في مقدمة المتطوعين، من بينهم: زوارة، الزاوية، ورشفانه، النواحي الأربعة ، ترهونة ، زليطن ، مصراته ، وغريان
.
ويضيف الزاوي إلى هؤلاء ، عدد من سكان منطقة القبلة، من بينهم محمد بن عبد الله البوسيفي ومجموعته من أولاد بوسيف، وآخرون تلاحقوا من كل صوب وحدب، وكان مركز توزيعهم في النقطة التي تبتدئ من ترّينه غرباً إلى ترهونه شرقاً
ويذهب العقيد بيلارد نيللي الذي درس مجتمع القبلة من واقع العديد من المقابلات التي أجراها مع أحمد السني وأحمد البدوي، إلى نفس هذا المعنى ،
فيفيدنا عن ذلك بأن نشأت بك قام باستدعاء مدير مزده الشيخ محمد سوف المحمودي وكلّفه بتشكيل محلة في منطقة الجفاره والانتقال بها على وجه السرعة نحو الساحل الغربي باتجاه زوارة وزلطن وأبي كمّاش، باعتبارها معرّضة لتهديد الإيطاليين(
.
ويذكر بيلارد نيللي في هذا الصدد، أن نشأت بك اختار من منطقة القبلة عبد السلام السني، وأوكل إليه مهمة حشد المسلحين ووسيلة نقلهم من الإبل، وفي جمع حاشد من أعيان منطقة القبلة تلا عليهم رسائل نشأت بك وحرّضَهم على المقاومة
وحول حضور المجموعة الأولى من قبيلة أولاد بوسيف يردّد بيلارد نيللي الرواية نفسها تقريباً، وفيها ما يفيد: أن عبد السلام السني الذي تولّى في منطقة القبلة التحريض على الجهاد،طلب على وجه السرعة مساعدة الشيخ محمد بن عبد الله شيخ اولاد بوسيف ، ورافقه على رأس عدد من المجاهدين باتجاه الشمال.
بيد أن عبد السلام السني الذي وافاه أجله في غريان وهو في طريقه على العزيزيه، أوصى بالقيادة لـمحمد بن عبد الله.
وفي العزيزية حيث كانت القيادة التركية – العربية المشتركة، تَقدّم الشيخ محمد بن عبد الله البوسيفي إلى الوالي بنفسه وطلب إليه مدّة بالمؤن والذخيرة .
وفي الحين توجهّ نحو طرابلس للمساهمة في المقاومة في معارك الهاني وسوق الجمعة .
وللزّاوي المؤلف كلمة عن هذه الشخصية الفذّه قال فيها: وقد حضر السيد محمد بن عبد الله الحرب من أولها. ولم أنس أنى التقيت به مع المجاهدين قبل واقعة الهاني وعليه من هيبة الرجولة وجلال الطلعة ما يملأ النفوس مهابة وإجلالاً.
من جهة أخرى، أكّد بيلارد نيللي أنه بسبب المكانة المتميّزة التي اختص بها بين أفراد عشيرته، والشجاعة الفائقة التي أظهرها، اعتمدته القيادة التركية، وحّملته رسائل لسكان منطقة القبلة، وعند عودته إليها أجرى اتصالات مُكثّفة مع أحمد بن ادريس الأزهري وأبي بكر قرزه.
وتؤكد رسالة بعث بها بوبكر قرزه البوسيفي إلى نشأت بك ما يفيد ببلوغ رسائله التي حملها الشيخ محمد بن عبد الله لعموم سكان منطقة القبلة بالتطوع، بما في ذلك رسالة نشأت إلى بوبكر نفسه، ويفهم من الرسالة والرّد عليها من نشأت بك ثلاثة قضايا هامه، من بينها ما قام به أبو بكر البوسيفي من تجميع المتطوعين في منطقة القبلة، وإصرار نشأت على إرسالهم إلى خط الحرب، وحاجة رجال المقاومة للسلاح الذي لم يتوفّر بالقدر الكافي لتغطية حاجة المجاهدين وعلى الأخص في المرحلة الأولى من المقاومة.
على أية حال، تطالعنا رسالة أبي بكر البوسيفي إلى نشأت بك في نصها التّالي:
وعرّفنا حضرة القائمقام بما أمرتم به ، وبناء على ذلك قد صرنا من تلك الوقت ونحن راكبين خيولنا ونتطوّف من واد إلى واد، ومن محل إلى محل، بالرغم من بعد مسافة القبائل والعربان عن بعضها بعضاً، وبعون الله... قد توفقنا لجمع
أربعمائة مقاتل من الشجعان الذين لاتأخذهم في الله لومة لائم.
وتضيف الرسالة : ومما زادنا نشاطاً خطابكم العالي الموجه لعموم لعيان الذي بواسطة الشيخ محمد بن عبد الله وحثّكم الناس على القدوم لخط الحرب والجهاد في سبيل الله، وعليه المرجو من همّتكم وغيرتكم وحميتكم صدور أمركم العالي بإنجاز وعدكم بتسليحنا لأن وعد الكرام دين بحيث لا نكونوا محرومين من فضيلة الحرب والجهاد الواجب بنا شرعاً لتحصل النّتيجة.
وفي رد نشأت بك على هذه الرسالة، ما يشير إلى كمية بنادق الموْزر المحدودة التي يمكن توزيعها عليهم، على أن يوزّع على الباقين نوع آخر من البنادق العتيقة، لكنه حرّضه في نهاية ردّه بالقدوم إلى خط الحرب.
ومما قاله نشأت في هذا الخصوص: ونتمنّى من صميم القلب أن تكونوا معنا في خط الحرب لينتفع الوطن بكم وتوجروا، لكن مع الأسف ، إن السلاح لم يبق لدينا... سوى مائة سلّمناها لكم بالواسطة، إنما عندنا نحو من بندقية من السلاح العتيق المسمى (قباق) أمرنا بإرساله إلينا من الجبل؛ هذا السلاح فعله وفعل الموْزر واحد، وليس ثمة فرق إلا من جهة الخفه والثّقل، بناء عليه المرجو... أن ترسلوا المسلّحين يدخلون خط الحرب لأن للتأخير ءافات ، والباقون يكون قدومهم بعد تسليحهم
وعثرنا على رسالة أخرى لا تحمل تاريخياً وُجّهت للشيخ بوبكر البوسيفى، وفيها الحاح واستعجال بحضوره لخط الحرب لحاجة القيادة التركية للمتطوعين الذين يستوجب حضورهم لساحة المعركة ، ومما جاء في نصها:
ورد لنا تلغراف من مقام القومندان (القائد العسكري) مُشعراً بجمع ما أمكنه من المجاهدين لأجل محق دابر بقيه الكفار. أرجوكم كل الرجاء حين وصول جوابنا هذا إليكم أن تُقْدموا بوجه السرعة مع ما يوجد عندكم من المجاهدين .
وعلى أية حال ، فقد تقاطر المتطوعون من منطقة القبلة إلى ساحة قصر العزيزية، كان من بينهم ، بوبكر البوسيفي نفسه.
وحسب بيلارد نيللى، فقد شكّل سالم بن عبد النبي، محلة من مجاهدي زنتان القبلة في بئر الحميرّه، فيما حشد أبوبكر البوسيفي محلة أخرى تتكوّن من مقاتلي أولاد بوسيف والمشاشه والقنطرار والجعافره، تعزّزهم عناصر من قبائل أخرى في منطقةرويس الطبل، .
على أية حال لقد صوّر لنا ( كريستان هوشيل ) من واقع تقرير بعث به من مقر هيئة الأركان التركية في العزيزية، مشاعر الحماس المتنامي لقبيلة اولاد بوسيف وكثرة المتطوعين والتصميم على المقاومة حتى النهاية . .
ويذكر عن مشاهداته في العزيزية بما يفيد قوله :
تصل التعزيزات المشكلة من المتطوعين العرب تتقدّمهم قبائل اولادبوسيف، وجميعهم يُقسمون بأنهم يهبوّن للدفاع عن الإسلام، إنهم مسلمون بواسل، ويشعرون بالكرامة، كُلّهم تصميم وإيمان ويتّقدون حماسة تكاد ترقى إلى مستوى الجنون، وسلاحهم بنادق إيطالية
هذه لمحه تاريخية على ما يقال على أبائنا ولنا الفخر