وجوب الاتباع والتحذير من مظاهر الشرك والابتداع
إنّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا ومن سيّئاتِ أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمّدًا عبدُه ورسولُُه.
﴿يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 71].
أمّا بعد: فإنّ أصدقَ الحديثِ كلامُ الله وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة وكلّ ضلالةٍ في النار.
أَيُّها الإخوة نشكُر الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ على نعمةِ الإسلام، ونَسأَلُ الله أن يُؤَلِّف بين قلوب المسلمين جميعًا وخاصةً شبابَهم أن يُؤلِّف بين قُلوبِهم على الحق، وأن يجمع كلمتَهم على التَوحيد والسنة ، وأن يُوفِّق الجميع لأن يعتصموا بكتابِ ربِّهم وَسُنَّةِ نبيِّهم وأن يجعلهم مُدرِكين تمام الإدراك أنَّ إمام هذه الأُمَّة وقائدها هو محمَّد الذي إذا قال يجب أن يُطَاع وإذا أَمَر يجب أن تُنَفَّذَ أوامرُه ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ، والذي إذا أَخبَر يجبُ أن يُصَدَّق، أرجو أن تَتَعَمَّق هذه المعاني في نفوسِ هذه الأُمَّة وخَاصَّةً الشَّباب الذي يَعتزُّ بالانتماء إلى الإسلام، وبعد هذا؛ فأقول: إنَّ الاتباع لما جاء به محمَّد عبادةً وشريعةً وأخلاقًا وسياسةً هو أمر مُحَتَّم ليس لنا فيه أَيُّ خِيَار ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً ﴾[الأحزاب : 36]، ليس لنا أيُّ خِيَار إذا قضى الله أو رسولُه أمرًا سواءً ذلكم الأمر يتعلَّق بالعقيدة، أو عبادة أو غيرهما مما أشرنا إليه سابقًا، إنَّه لا يَسَعُنَا إلاَّ الامتثال لهذا الرَّسول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ الامتثال لما قضاه الله وقضاه رسوله أرجو أن يَتَعَمَّق هذا المعنى في نُفُوسِنا، وأن لا يكون كلامًا تَلُوكُه الألسُن ثم يَتَبَخَّر أمام الأوامر والنَّواهي والأخبار التي جاء بها محمَّد ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ، أمَّا صحابة رسول الله ، أمَّا القرون المُفَضَّلة التي شهد لها رسولُ الله بالخيريَّة فما كان لهم قائد ولا إمام إلا هذا الرَّسول ، وليس لهم كتاب إلا هذا الكتاب، وليس لهم سُنَّة إلاَّ سُنَّة محمَّد ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ وسُنَّة الخلفاء الرَّاشدين التي أَمَرَنا رسولُ الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ أن نعضَّ عليها بالنَّواجذ([1])، يا شباب الإسلام! يجب أن نتخلص من الأهواء والتحزُّبَات التي لا نجني منها إلاَّ الشَّر والضَّياع والذُّل والهوان، يجب أن تُدرِكُوا أيُّها الشَّباب أنَّ العزَّة كلَّ العزَّة والسَّعادة كلَّ السَّعادة في الدُّنيا والآخرة لم تُضمَن إلاَّ لمن يَرفَعُ رأسَه بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم ، ويعتز بما جاء به محمَّد صلى الله عليه وسلم إذا سَادَ في أوساط الشَّباب قال اللهُ قال رسول الله r ، وتُطَأطىءُ الرُّؤوس سمعًا وطاعةً لذلك، فإنَّا نكون قد سلكنا الطَّريق الصَّحيح إلى السِّيادة والعزَّة في الدُّنيا، وإلى النَّجاة من غضب الله، وإلى دخول جنات عرضها السماوات والأرض ، وإلى إحراز رضوان الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ و إذا كان يسود في السَّاحات قال فلان! وقال فلان!، الطَّائفة الفُلانية ..والطَّائفة الفُلانية ... دون تمييز بين الحق والباطل ودون تمييز بين الخطأ والصواب والهدى والضلال فإنَّنا في طريقنا إلى الضَّياع ليس في أوَّل الطَّريق، بل نحن في آخر الطَّريق .
فهذا الواقع المُؤلِم الذي جَنَتْ منه الأُمَّة ولا تزال تجني من الذُّل والهوان والضَّياع ما لا يعلمه إلاَّ الله؛ فإنَّنا ندعو شباب الأُمَّة وشيبها في كلِّ مكان في كلِّ بُقعة من مشارقِ الأرض ومغاربِها إلى أن يعودوا إلى ما كان عليه أسلافُهم الصَّالحون الذين كانوا لا يقولون إلا قال اللهُ قال رسول الله r ، والجهلة منهم يرجعون إلى هؤلاء ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾، الذِّكر هو الوحي ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل : 43].
فكان علماؤُهم يُرَبُّون الأجيال على قال اللهُ قال رسول الله r ، ويجيبون المستفتين بـ قال اللهُ قال رسول الله r ، ويستنبطون مِنْ قال اللهُ قال رسول الله r ، وليس هناك أحزاب وليس هناك فِرَق، فَفَتَحُو الدُّنيا، ولمَّا فَتَحُوا هذه الدُّنيا ونَصَرَهُم الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ على أعداء الله على القُوَى الكُبرَى في ذلك الوقت، وَدَخَلَت الشُّعُوب تحت راية التًّوحيد كانوا يُعَلِّمُون العَجَم على اختلاف لغاتِهم ولهجاتِهم وأجناسِهم يُعَلِّمُونَهم قال اللهُ قال رسول الله r ، ويُرَبُّونهم على قال اللهُ قال رسول الله r ، ويُرَبُّونهم على الالتفاف حول هذا القائد محمَّد t الذي لو كان موسى حيًّا ما وَسِعَه إلاَّ اتباعه كما قال ذلك للفاروق عُمر بنِ الخَطَّاب t حين اسْتَكْتَبَ شيئًا من التَّوراة فرآه رسولُ الله t في يَدِه فقال : « مَا هَذَا يَاابْنَ الخَطَّاب؟ »، قال: شيءٌ كتبته من التَّوراة يوافق ما عندنا فقال: « أَمُتَهَوِّكُونَ يَاابْنَ الخَطَّاب والله لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إلاَّ اتِبَاعِي» ([2])، والله إنَّ ذلك لحق، وإنَّ عيسى بنَ مريم u سينزِل حَكَمًا عَدْلاً مُقسِطًا([3]) لا يأتي بشريعة إنَّما يُنَفِّذ هذه الشَّريعة التي جاء بها محمَّد t، ولو جاء جميع الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ما يَسَعُهُم إلاَّ اتِّبَاع هذا الرَّسول الكريم ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلام ([4])؛ فكيف نستجيزُ أن نتَّبِع غيرَه ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم- فيما يخالف الكتاب والسنة؟! فإنَّ الأُمَّة فعلاً قد تَفَرَّقَت إلى فِرَق وإلى مذاهب شتى ففعلت هذه التَّفرقة وهذا التَّمذهُب وهذه الاختلافات الأفاعيل في هذه الأُمَّة؛ ممَّا جعلهم لُقمةً سائغةً لأعداء الله، وجعلهم يخضعون لأَذَلِّ الأُمَم؛ أليس بَنُو إسرائيل قد كتب الله عليهم الذِّلة والَمسكَنَة وباؤوا بغضبٍ من الله؟!
إنَّ أغلب المسلمين الآن من هذه الأُمَّة أذل من إخوان القِرَدَة والخنازير، لماذا ؟ لأنَّ أولئك ضَيَّعُوا التَّوراة فَأَذَلَّهُم الله، وهؤلاء ضيعوا أعظم من التَّوراة فأذلهم الله؛ فيجب أن يخرج المسلمون من هذه الدَّوامة بالاعتصام بكتاب الله وبسنة رسول الله وبفقه سَلَفِنا الصَّالح الفقه الصَّحيح في العقائد، وفي العبادات، وفي السِّياسة، والأخلاق، وفي كلِّ ميدان من الميادين، وإلاَّ فإنَّ الأمر سيزداد شِدَّةً ومَرَارَةً على مَرَارَة، ونحن قد لَمَسنَا هذا الذُّل لمَسًا باليد، فماذا نريد بعد هذا ؟! وإلى متى نتيه في هذه الظُّلمات والقرآن بين أيدينا وسُنَّةُ رسول الله ج بين أيدينا وفيهما النَّجاة وفيهما الضَّمان من الهلاك والذُّل والخِزي؟! ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ` وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى` قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ` قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ` ﴾ [طه: 123] .
فقوله تعالى : ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى`﴾ ضمانٌ من الضَّلال وضمان أكيد من الشَّقاء معناه الهداية الكاملة لمن يتبع هذا الهُدَى والضَّمَان الكامل من الشَّقاء المُخزي في الدُّنيا والآخرة، وأيُّ خِزي وأَيُّ شَقَاء أَشَدُّ من هذا الخِزي الذي يعانيه المسلمون ؟ وأَيُّ ضَلاَلٍ أَشَدُّ من هذا الضَّلال الذي يعيشه كثير من المسلمين ؟ العقائد تخالف كتابَ الله، العبادات عند كثيرٍ من النَّاس تخالف العبادات التي جاء بها محمَّد ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ بدءًا من توحيد العبادة؛ بابُ الأسماء والصِّفات تقوم مدارس على غير كتاب الله وعلى غير سُنَّةِ رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ حتى بَلَغ ببعض أتباع الهوى والإغراق في الضَّلال أن يقول: إنَّ الأخذ بظواهر القرآن والسُنَّة شركٌ وكُفر!! ([5]) إلى هذا المنحَدَر انحَدَر كثيرٌ من النَّاس إلى أنَّهم لا يعتقدون أنَّ في كتاب الله الهداية الكاملة فلا يعتمدون في عقائدِهم على قال اللهُ ولاعلى قال رسول الله r ، يعتقدون فلسفةَ اليونان ومنطِقَهم ويُسَمُّونها بالمعقولات! ويُحَرِّفُون كتابَ الله لأجل هذه الفلسفة الجاهليَّة التي غَزَتْنَا من الغرب! كثيرٌ من النَّاس يتصوَّر أنَّ الغزو الفكري جاء في هذه القرون المتأخرة؛ بل إنَّ الغزو الفكري جاء من القرون المتقدِمَّة يوم أُوذيَ أَحمد بنُ حنبل وإخوانُه من أهل الحق وضُرِبُوا وقُتِلَ بعضُهم من ذلكم الوقت بل وقبله صَدَمَ هذا الغزو الأُمَّة في أصلِ أُصُولها من ذلكم الوقت، وانتشرت الفلسفات وتصوُّف المجوس والرهبان وغيرِهم من ذلكم الوقت؛ فلم يأت الغزو الحديث إلا مكملاً للغزو السابق !!
إن الفِرَق الضَّالة التي أَخبر عنها رسولُ الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ وأنَّها كلَّها في النَّار إلاَّ ما كان عليه رسولُ الله وأصحابُه هذه الفِرَق بدأت من آواخر عصر الصَّحابة y ثم انتشرت وتفَشَّت في المجتمعات الإسلاميَّة حتَّى صار أكثر المسلمين لا يخرجون عن هذه الفِرَق، وقَلَّ من هو على ما كان عليه رسولُ الله وأصحابُه وهم الطَّائفة النَّاجية و المنصورة، والآن في هذا الوقت بعد متاهاتٍ طويلة تاه فيها كثير من المسلمين تنتشر فكرة العودة إلى منهج السَّلفِ الصَّالح، وبوُسعِ كُلِّ مسلم طالب للحق قد تسلح بالعلم أن يُمَيِّزَ بين الحقِّ والباطل، وأن يُدرِكَ ما كان عليه رسولُ الله وأصحابُه ، وما عليه هذه الفِرَق التي حكم عليها رسولُ الله ج أنَّها في النَّار « اِفْتَرَقَتِ اليَهُودُ إِلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى إلى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة، وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّة إَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلُّهَا في النَّار إِلاَّ وَاحِدَة، قَالُواْ مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي »( [6] ) ، أمَّا الذين يُؤمنون بهذا الحديث وهو حديثٌ صحيح؛ فهم يَبَثُّونَه في النَّاس ويُحَذِّرُون المسلمين من الهلاك ويَهتِفُونَ بِهم إلى ما كان عليه رسولُ الله وأصحابُه وأمَّا أهلُ الأهواء فإنَّهم يتأولون هذا الحديث وإمَّا يدَّعون أنَّه ضعيف لماذا ؟ لأنَّه يبِّين ما عندهم من الضَّلال، ويشهد عليهم بالهلاك، ولكن لهم مصالح في هذا التَفَرُّق! لهم أتباع يحتَفُّونَ بهم ويُشيدُونَ بمكانَتِهم! فحفاظًا على هذه المكانة وعلى المصالح الماديَّة يُنكرون هذا الحديث ليبقى لهم جاهُهُم! أو يُؤوِّلُونه حتى يَبقَوا على ما هم عليه من الانحراف!، وحتى لا يتَّضح هذا الحديث فيفضحهم ؛ فيقول لهم الشباب أين أنتم من الفِرقَة النَّاجية؟ ولماذا تَتَمَادَوْنَ في ميادين الضَّلال؟ ولماذا تكونون من هذه الفِرَق الهالكة؟ فيأتون بمثل تلك التأويلات وبمثل تلك التحايلات؛ حتى تبقى غالبية الأُمَّةُ سادرةً في غيِّها بعيدةً عن منهج الله؛ لأنَّ هؤلاء دعاةُ الضَّلال لا يعيشون إلاَّ في الظَّلام، لا يعيشون إلا في دَوَّامَة المغالطات! فيا إخوتاه! يجب أن ننتهي ، وأن نَضَعَ حدًّا للانقياد لهذه المغالطات، وأن نقول للمحسن: أحسنت وللمسيء أسأت، ونقول لِلمُحِقِّ: أنت مُحِق؛ لأنَّ كتاب الله معك وسنة رسول الله ومنهج السَّلف الصالح؛ فأنت مُحِق ونقُولُ للمبطِل: أنت مُبطِل وأنت على باطل، وأنت تقود الأُمَّةَ إلى الهلاك والدَّمَار؛ فإلى متى ننقاد لأمثال هؤلاء يا أيُّها المسلمون وكتاب الله بين أيديكم، وسُنَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أيديكم، وتفاسير السَّلف بين أيديكم، وعقائد السَّلف بين أيديكم؟! السَّلف الصالح الذين قال الله في شأنهم ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً ﴾ [النساء: 115]، أجل والله الذي ينحرف في عقائدِه وفي مناهجِ حياتِه عن كتاب الله وسُنَّة رسول الله ج فإنَّه مُشَاق للرَّسول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ، وإنَّه مُتبع لغير سبيل المؤمنين، و سبيل المؤمنين من الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان ومن أئمَّة الهُدَى رضوان الله على الجميع هم المقياس للحق، وسبيلهم مقياس يُميِّز بين الحقِّ والباطل، وواللهِ ما كان سبيلُهم ما كان منهاجُهم إلاَّ كتاب الله وسُنَّة رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ ، فيا إخوتاه! كفانا أن تنطلي علينا الخُدَع وألاعيب المخادعين ومغالطات المغالطين، كتاب الله بين أيدينا وسُنَّة رسول الله ج بين أيدينا، وبيانُها من رسول الله واضح، وعقائد السَّلف واضحة ومنهجهم وقد هيَّأَ الله لها فطُبِعَت ونُشِرَت فمثل هذه الكتب عندكم ((البخاري)) و((مسلم)) وغيرهما من كتب السنة وعندكم ((تفسير ابن جرير)) وعندكم ((تفسير ابن كثير)) وعندكم ((السنة لعبد الله بن أحمد)) وعندكم ((السنة لأحمد )) وعندكم(( التوحيد لابن خزيمة )) و ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للَّلاكائي و(( الإبانة الكبرى والصغرى)) لابن بَطَّة و(( الشريعة )) للآجرِّي هذه هي التي تُمَثِّل سبيل المؤمنين تمثيلاً واضحًا لا غُبَارَ عليه؛ فعلينا أن نَدرُسَ هذه الكتب حتى نعرف سبيلَ المؤمنين ويستبين لنا سبيلُ المجرمين من هذه الكتب، يستبين لنا سبيلُ المؤمنين ويُفضَح سبيلُ المجرمين، وما أكثر الطُّرق التي يمكن أن تُدَان بأنَّها على سبيل المجرمين، إنَّ الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ كما ذكرت آنفًا لم يجعل لنا أيَّ اختيار إذا جاء أمرُ الله أو جاء أمر الرَّسول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ، لا يَسَعُنا إلا الاتِّبَاع، ولا يَسَعُنا إلا الاحتكام في قضايا الاختلاف إلى الله ورسوله r، ولن نكون مؤمنين أبدًا حق الإيمان إلا إذا حاكمنا قضايا الخلاف إلى الله ورسولِه ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً﴾ [النساء: 65]، يقول العلماء علماء اللُّغة: إنَّ هذا أقوى وأشد وأوكد أنواع القَسَم؛ لأنَّ العرب إذا أرادوا أن يُؤكِّدُوا القَسَم صَدَّرُوه بأداة النَّفي ((لا )) هذه وما شاكلها؛ فـ (( لا)) إذا أتى القَسَم بعدها ، كانت لتأكيد القَسَم ﴿.. وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ كما في قوله I :﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [القيامة: 1] .
(( لا)) النَّافية والقَسَم بعظمة الله وجلاله على عدم إيمان من لا يُحَكِّمُ رسولَ الله حتى يُحَكِّمُوا رسولَ الله، ولا يكفي هذا التحكيم أبدًا حتى تنشرح الصُّدُور بحُكم رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَم ـ ، وترضى به وهذا لا يكفي حتى نسلِّم تسليمًا كاملاً لرسول الله ج، و أَكَّد الفعل(( يُسَلِّمُواْ )) بالمصدر، تأكيداتٌ كثيرة: قَسَمٌ بالله بذاته العظيمة، أَكَّدَه بالقَسَم المؤَكَّد، أَكَّد الفعل بالمصدر، تأكيدات عظيمة على نفي إيمان من لا يُحَكِّم هذا الرَّسول الكريم ج، فهل حَكَّمَ كثيرٌ من أهل الأهواء رسول الله ج فيما خالفوا فيه كتابَ الله وسُنَّة رسول الله ج ؟ كلاَّ والله لوحَكَّمُوا رسولَ الله ج لانتهت هذ الخلافات، ولقد أحالنا الله على مليء وإنَّ فيه فَصلاً كاملاً للخلافات، وحُكماً حَاِسماً في قضايا الخلاف.
بالله عليكم! نأتي إلى قضيتين رَكَّز عليهما القرآن والسُنَّة جاءت فيهما نصوص كثيرة، نرى منهج السَّلف في جانب ونرى أهل الأهوء في جانب آخر، قد يشترك عشرات الفِرَق في بدعة من البدع وفي ضلالة من الضَّلالات و ينشأ على هذه الضَّلالات أجيال وأجيال، وتُنشأ لها مدارس، ويبقى هؤلاء ثابتون على ماهم عليه من الضَّلال ومن المخالفة الواضحة لما جاء به محمَّد ج كتابًا وسُنَّة.
ولابن الوزير اليماني في كتابه (( إيثار الحق على الخلق)) كلام جيِّد يُكتَب بماء الذَّهب ـ أرجو أن يفهمه كلُّ شاب وأن يحفظه ـ ، قال وهو يناقش المعتزلة والأشعريَّة وغيرهم من الفِرَق التي حادت عن المنهج الإسلامي الحق، وعن القرآن والسُنَّة، ـ ما معناه ـ: (( إنِّي لأتَعَجَّب ممن ينتمي إلى أهل السُنَّة أن يُنكِرَ صفة الرَّحمة ـ صفة رحمة الله I ـ يؤولها بالإحسان ويَفرُّ من الرَّحمة لأنَّ الرحمة رِقَّة وضعف في نظره)) قال: أَتَعَجَّب لهؤلاء، هذه الصِّفة التي وَرد ذكرها في القرآن في أكثر من خمسمائة موضع مُؤَكَّدة ومُكَرَّرة([7])، يشير إلى قاعدة أوقاعدتين عند النَّحويين والبلاغيين وهو أنَّ التَكرَار يرفع احتمال المجاز، والتأكيد كذلك يرفع احتمال المَجَاز، كيف ؟ اقرأ ((بِسْمِ الله الرَّحمَن الرَّحِيم )) فيه تكرار وتأكيد في نفس الوقت الهدف منه إثبات صفة الرَّحمة لله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ ما اكتفى باسم الرَّحمن أَكَّدَه بالرَّحيم، هذا عند العرب يثبت هذه الصِّفة ويرفع احتمال المجاز؛ لأنَّ فيه تأكيدًا و هذا الأسلوب أسلوب عربي، ذكر الرَّحمة ثمَّ أَكَّد بذكرها مرَّةً أخرى، هذا عند العرب يرفع احتمال المجازات، كيف احتمال المجاز؟ يقولون لك:إنَّه إذا قال شخص: (( جَاءَ زَيدٌ، جَاءَ عَمْرو، جَاءَ بَكْرٌ، جَاءَ عَلِيٌّ )) وَسَكَت، احتمل الحقيقة واحتمل المجاز، يحتمل أن يكون جاء بنفسه ويحتمل أن يكون أرسل رسولاً أو كتب كتابًا، لكن إذا قال: (( جَاءَ زَيْدٌ جَاءَ زَيْدٌ )) ـ هذا يُسمُّونَه تأكيداً لفظياً ـ ارتفع احتمال المجاز وثبتت الحقيقة وهو أنَّ زيدًا قد جاء فعلا، ؛ وإذا أَكَّدَه تأكيدًا مَعنويًّا فقال: (( جَاءَ زَيْدٌ نَفسُه)) أو (( جَاءَ زَيْدٌ عَينُه )) ارتفع احتمال المجاز وثبتت الحقيقة، هذا الذي يشير إليه ابنُ الوزير في كتابه (( إيثار الحق على الخلق)).
طيِّب إذا قال الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ في صَدرِ القُرآن ((بِسْمِ الله الرَّحمَن الرَّحِيم )) هذا يكفي لإثبات أنَّ لله هذه الصِّفة العظيمة صفة الرَّحمة، وتتبدَّد دعوى المجاز واحتمالات المجاز، إذا قال: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ` الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ `﴾ تأكيد وتَكرَار .. إذا صَدَّر كلَّ سورة من السُّور بـ ((بِسْمِ الله الرَّحمَن الرَّحِيم )) إلاَّ سورة براءة، إذا خَتَم كثيرًا من الآيات بصفة الرَّحمة والرَّأفة هل يبقى هناك مجال للتأويل أو للمجاز أو لشيءٍ من هذا؟! أمَّا الذي يحتكم إلى الله وإلى رسولِه فيكفيه نصٌ واحد من هذه النُّصوص لإثبات هذه الصِّفة صفة الرَّحمة التي وَسِعَت كلَّ شيء، فهل رحمة الإنسان وَسِعَت كلَّ شيء ؟! رحمة الإنسان ما تَسَعُ نَفْسَه! ورحمة الله وَسِعَت السَّموات والأرض والملائكة والجن والإنس... ؛ فهل هناك نظيرٌ لهذه الرَّحمة حتى نضطر إلى تأويلها أو تحريفها أو تعطيلها ؟! كلاَّ والله؛ فالمؤمن الصَّادق الذي يؤمن بكتاب الله وسُنَّة الرَّسول يعتقد أنَّ لِله رحمةً وَسِعَت كلَّ شيء، وأنَّ كلَّ ما تراه من الخير في السَّموات والأرض وفي الدنيا والآخرة من آثار رحمة الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ ، وكل ما تجده من الرَّحمة في قلوب النَّاس والحيوانات والملائكة وغيرها جزء واحد من مائة جزء من آثار رحمة الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى - ، فهل يلتبس في مثل هذه الصَّفة صفة المخلوق بصفة الخالق أو يتصور عاقل أن هناك مشابهة بين صفة الخالق والمخلوق حتى يضطر إلى التأويل؟! أمَّا الذي يؤمن بصفات الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ على هذا الوجه فإنَّه والله لا يحتاج إلى تأويل ولا إلى تحريف، بل يضطر بسبب هذا التكرار الكثير لهذه الصِّفة العظيمة إلى التصديق والإيمان الجازم بأنها ممَّا مدح الله به نفسه ويحبُّ أن يمدحه بها عبادُه، فما وصف الله نفسه بأدنى أدنى شيء من النقص ولو مرَّةً واحدةً فضلاً عن تكرارها، و أضرب لكم مثالاً: نَسَبَ اليهود إلى الله الولد قالوا عزير ابن الله، النَّصارى نَسَبُوا إلى الله الولد وقالوا عيسى ابن الله، ونَسَبَ العرب الملائكة إلى الله وقالوا إنَّهم بنات الله، ماذا قال الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ ؟ ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً ` تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً ` أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً `وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ` إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً ` ﴾ [مريم: 89-93]، الشاهد أنَّ هذه الصِّفة فيها نَقص قال الله فيها : ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ` اللَّهُ الصَّمَدُ ` لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ` وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ` ﴾ [الإخلاص:1 ـ 4] وكم نَحَى باللاَّئمة على من ينسبون لله الولد فقال: ﴿ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ ﴾ [الزخرف:15]
﴿ ..جُزْءاً..﴾ قالوا: عيسى ابن الله، وقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: الملائكة بنات الله ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾؛ أنكر الله هذا أشدَّ الإنكار، لماذا ؟ لأنَّ فيه تَنَقُصًا لله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ ؛ فإذا كان يستنكر هذا أي نسبة الولد إليه بهذا الأسلوب العظيم الفظيع ، ونسبة الولد لغير الله كمال ولكنَّه بالنسبة لله نقص فأنكره الله أشدَّ الإنكار فكيف يمدح نَفْسَه بصفة فيها النَّقص ويكرِّره مئات المرَّات؟! كلاَّ والله، هذا مثالٌ واحد مما حاد أهلُ الأهواء عن الاحتكام إلى الله فيه، ويُضَلِّلُون السَّلف وفيهم الصَّحابة وفيهم الرَّسول r ، ويقولون للذي يؤمن بهذه الصِّفة مجسِّم مشبِّه مع الأسف الشَّديد! وقد يُكفِّرون من يُثبت لله هذه الصِّفة!.
يأتيك مثل آخر، الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ مَدَح نَفْسَه بأنَّه استوى على العرش في سبع آيات في القرآن صريحة في الاستواء على العرش، و الآيات: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [المعارج : 4] ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة : 5]...، في عشرين نوع من الأنواع تجمع عددًا من النُّصوص تثبت عُلُو الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ بالإضافة إلى أدلَّة الفطرة و إلى أدلَّة العقل، كلُّ هذه الأشياء تتواكب بإثبات هذا الوصف لله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ، فيأتي كثيرٌ من الفِرَق المنحرفة عن القرآن والسُنَّة وعما كان عليه السَّلف الصالح، يروي البخاري والبيهقي ([8]) وغيرهم عن الأوزاعي أنَّه قال: ((كُنَّا والتابعون متوافرون نقول : إنَّ الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ في السَّماء وعلى العرش استوى)) ، التابعون متوافرون يقولون هذا هذه عقيدة التابعين، والتابعون أخذوها من الصَّحابة، والصَّحابة أخذوها من فِي رسول([9]) الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ومن القرآن والسُنَّة، وجاء الجهم بن صفوان وقال: إنَّ الله في كلِّ مكان، وجاء ناسٌ آخرون وأغرقوا في الضَّلال فقالوا: إنَّ الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا داخل العالَم ولا خارجَه ...! وهذه الصِّفات لا تنطبق إلا على المعدوم ـ وَالعِيَاذُ بِالله ـ ؛ فهذه السِّلبيات الكثيرة التي أنكروا بها وجود الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ من حيث لا يدرون؛ لأنَّهم وإن كانوا يؤمنون بوجود الله إلاَّ أنَّهم وصفوه بصفات العدم؛ بل يقولون وصفوه بوصف المستحيلات لا بصفات العدم!، بالله عليكم! هؤلاء لو كانوا يَنشُدُون الحق والله لوجدوه في كتاب الله، ووجدوه في سُنَّة رسول الله r ، ووجدوه في تفسير أمناء وسادة وفقهاء هذه الأُمَّة؛ فالذي يقرأ في ((تفسير ابن جرير)) و ((تفسير البغوي)) و ((تفسير ابن كثير)) يجد النُّقول بالأسانيد الثابتة إلى رسول الله r وإلى صحابته الكرام y وإلى أئمَّة التابعين في إثبات هذه الصِّفات، وألَّف البخاري كتابًا سمَّاه ((خلق أفعال العباد)) يثبت فيه صفات الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ، وأنَّ القرآن كلام الله U، وينقل كلام السَّلف في من ينكر علو الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ، بل ينقل تكفيرَه ويقول: إنَّني أتعجب ممن يشك في كفر الجهمية([10])! لماذا يُكَفِّرُهُم ؟ لأنَّهم عطَّلوا صفة العلو لله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ وعطَّلوا غيرها؛ ولكنَّه يأتي على رأس قائمة هذه الصِّفات إنكار صفة علو الله؛ فكانوا إذا كَفَّرُوا جهمًا إنما يُكَفِّرُونَه لأنَّه أنكر علوَّ الله واستواءه على عرشه، وتجد كثيراً من المدارس التي تنتمي إلى السُنَّة على هذا المذهب الجهمي الضَّال! ويقرؤون كتب التفسير وكتب الحديث وكتب العقائد؛ كتب عقائد الأئمَّة المعتبرين عند الأُمَّة حتى إنَّ هؤلاء لَيُسَلِّمون بعدالة وجلالة هؤلاء الأَئمَّة الذين نقلوا لنا عقائد السَّلف التي كان عليها رسول اللهr وصحابته الكرامt! يا إخوتاه! هذان مثلان من أمثلة كثيرة جدًّا تاهت فيها كثيرٌ من الفِرَق وهذه الفِرَق ـ مع الأسف ـ يوجد فيمن ينتمي إلى السُنَّة من يدافع عن هذا الضَّلال، ويرى أنَّ الأُمَّة تجتمع يكفيها أن تجتمع على عِلاَّتِها، حتى الرَّوافض يدخلون في هذا التجمع، وغلاة الصُّوفية يدخلون في هذا التجمع، ويريدون أن يجمعوا الأُمَّة على الباطل، ويرون أنَّ هذا التجمع يكفي الأُمَّة، ويضمن لها عِزَّتَها وسعادتَها ونجاتَها في الدُّنيا والآخرة! وليس واللهِ هذا هو طريق الإصلاح، طريق الإصلاح الذي دعا إليه كتاب الله وسُنَّة رسول الله r وسَلَفُنَا الصَّالح هو أن نُثَبِّتَ النَّاس على كتاب ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ، ونُمَسِّكَهم بكتاب الله وبسُنَّة رسول الله r، ونبذل كلَّ ما نستطيع من جهد في إنقاذ هذه الفِرَق الهالكة من ضلالها، ونحاول أن نعيدها إلى المنهج الحق وإلى ما كان عليه رسول الله r وصحابته الكرام y؛ ذلكم الوصف الذي خصَّ به رسول الله r تلكم الطَّائفة التي بقيت على ماكان عليه رسول الله r.
فيا أيُّها الشَّباب! ابحثوا عن عقائد رسول الله r، وعن سياسة رسول الله r، وعن أخلاق رسول الله r، وعن عبادة رسول الله r؛ فالصَّحابة والخلفاء الرَّاشدون y ما كانوا إلاَّ على هذا المنهج، وَتَمَسَّكُوا به وعَضُّوا عليه بالنَّواجذ، واحذروا البدع التي حَذَّر منها رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ، وَحَذَّرَ منها سادة هذه الأُمَّة وخيارُها، ووَقَفوا للمبتدعين بالمرصاد يُفَنِّدُون ما عندهم من البدع، ويحَذِّرُون منهم، وحافَظُوا على كيان أهل السُنَّة والجماعة قروناً، ثم حصل الاسترخاء وحصل التراخي، وجاءت القرون التي قال فيها رسول الله r بعد أن ذكر القرون المُفَضَّلَة: « ...ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُون، وَيَخُونُونَ وَ لاَ يُؤْتَمَنُون، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يُوفُون وَيَظْهَرُ فِيهِم السِّمَن»([11]) لمَّا جاء دور هؤلاء حصل منهم الاسترخاء ؛ لأنَّهم لا يهتمون إلا بالدُّنيا إلاَّ من عَصَمَه الله وحَفِظَ من أفراد قليلين، فاختلط الحابل بالنَّابل وسادت البدع في المجتمعات الإسلامية ـ مع الأسف الشديد ـ، وسادت عبادة القبور، وساد الحلول ووحدة الوجود والخرافات، حتى صارت مظاهر الشرك في المجتمعات الإسلامية أكثر مما يشاهده العاقل في بلدان اليهود والنَّصارى! فكم ـ بالله ـ من قبر يُعبَد في أوروبا وأمريكا؟! وكم ـ بالله ـ قَبراً يُعبَد في بلاد اليهود؟! اعْدُدْ القبور المبثوثة في آفاق العالَم الإسلامي! تجد مساجد مليئة بالقبور رغم أنَّ رسول الله r لَعَن أَشَدَّ اللَّعن وحَذَّرَ أَشَدَّ التحذير من اتخاذ القبور مساجد فقال r: « اشْتَدَّ غَضَبُ الله عَلَى قَوْمٍ اتَخَذُوا القُبُورَ مَسَاجِد »([12])، « لَعْنَةُ الله عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَخَذُوا قُبُورُ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد »([13])، الحديث في الصحيحين من رواية عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، وقال تعليقًا على هذا الحديث « يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا »، يعني يحذِّر هذه الأُمَّة ما صنعت اليهود والنَّصارى، اليهود والنَّصارى يكرمون الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمْ ـ ويحتفون بهم كثيرًا ويُعَظَّمونهم، ومن هذا المنطلق بَنَوْا عليهم وجعلوا قبورَهم مساجد، فماذا استحقوا من الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ؟ استحقوا من الله الغضب واستحقوا من الله اللَّعن، فمن يفعل فِعْلَهم ماذا يستحق من الله؟ يستحق أشدَّ منهم! من اللَّعن والمقت والغضب.
هذه النصوص في الصحيحين وفي غيرها والمسلمون يقرؤون الصحيحين للبركة! وقد يقرأون الصحيحين عند هذه القبور في المساجد ولا يتصوَّرون أبدًا أنَّ هذا التحذير يتناولهم قبل اليهود والنَّصارى! وأنَّ هذا اللَّعن قد يَنصَّبُ عليهم أكثر مما ينصب على اليهود والنَّصارى! أجل ـ واللهِ ـ يقرؤون ((البخاري)) و ((مسلم )) للبركة في مساجد تشاد فيها القبور! فماذا يستحقون من الله؟ هذه القبور ماذا يصنع عندها؟ ـ والله ـ يُطَاف بها ويُركَع لها، ويُسجَد لها، وتُحَب أكثر من الله، وتُخشَى أكثر من الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَىـ، وتُقَدَّم لها القرابين أكثر مما تُقَدَّم لله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ هذا هو الحاصل، ويُحلَف بها، ويجرؤ كثيرٌ من المتعلقين بهذه القبور أن يحلف بالله كاذبًا ولكن لا يجرؤ أن يحلف بهذا الولي؛ لأنَّه يعتقد فيه أنه يبطش به أكثر مما يبطش الله به! هذا شيء موجود وشيء ملموس؛ ونحن ـ والله ـ شاهدنا بهذه الأعين وعندنا الشهود العدول، رأينا الطواف حول هذه القبور والركوع والسجود والبكاء ـ والله ـ كأنَّني الآن أشهد منظرًا فظيعًا جِدًّا؛ دخلنا مسجداً فيه خمسة قبور في ـ دهلي ـ بقرب مركز جماعة التبليغ ما بينها وبينه إلا بضعة أمتار! وجاء شخص صاحب وفرة عليه إزار ورداء بصفة الإحرام؛ بل هو محرم لهذه القبور، وأتى إلى أكبر هذه القبور ـ قبر نظام الدِّين ـ وخرَّ ـ والله ـ له ساجدًا! وسجد طويلاً طويلاً! ثم قام يمشي إلى الوراء حتى وصل إلى عَتَبَة القُبَّة ثم خرَّ ساجدًا مرَّةً أخرى! ونحن مشدوهون ـ أنا وعبد الرَّزاق ابن الشيخ عبد المحسن العباد وعبد الرَّب نَوَّاب ـ من هذه المناظر المفظعة المخزية، فجاءنا رجل يهدر كالجمل لا ندري ماذا يقول يصيح علينا بالأوردية، فسألنا عبد الرَّب نوَّاب: ماذا يقول هذا ؟ قال: يستنكر وقوفنا كيف تتفرَّجون والنَّاس في عبادة؟! ، لماذا لا تعبدون؟ العبادة لهذه القبور! هذا له أمثال لا حصر لها ولا عد في حياة المسلمين، تقوم بعض الدعوات، وتنتشر في مشارق الأرض ومغاربها ولا تنكر من هذا شيئًا، ويربتون على أكتاف هؤلاء القبوريين، ويقولون لهم: أنتم مسلمون، وتعالَوا نجتمع ضد اليهود والنَّصارى، كانوا يجمعون النَّاس باسم محاربة الاستعمار، والاستعمار قد خرج من مصر، وخرج من السُّودان، وخرج من دول المغرب، وخرج من باكستان، وخرج حتى من الهند، هذه اللعبة التي يضحكون بها على عقول النَّاس؛ فباكستان تحرَّرت أصبحت دولة إسلامية، فكأنَّما تفرغ جل أهلها لعبادة القبور وتشييدها! وأقوى الدَّعوات قائمة فيها، دعوات سياسية أو صوفية والسلفيون قلة ، و إذا جاءت الانتخابات تذهب هذه الجماعات السياسية ليضعوا الزهور على هذه القبور ليكسبوا الأصوات! والسياسيون أو دعاة الصوفية والخرافة يشاركون الطائفين بهذه القبور باسم الحكمة في الدَّعوة ! ولا ينكرون من هذا شيئًا، ولا يغيِّرون منه شيئًا، وهو ـ والله ـ شرك يفوق شرك أبي جهل! زرت ـ بنقلاديش ـ فجاءني أحد خرَّيجي الجامعة الإسلامية وقال: لأطوفنَّ بك الليلة على اثني عشر قبراً ترى فيها مشاهد فظيعة ما رأت عيناك مثلها؛ فذهبنا وكان المشوار طويلاً فجئنا إلى مسجد فيه قبرعليه مقصورة من أفخر أنواع الخشب، و العشرات من الناس مُجندَلين صرعى حول القبور باكين خاشعين، وهذا راكع وهذا ساجد، و السُّوق حول هذا المسجد قائم لشراء الزهور والنذور والخرافات ...!.
ورأيت منظرًا آخر مُفظعًا ـ مع الأسف الشديد ـ فقلت ـ واللهِ ـ: لو رأى أبو جهل هذه المناظر لخجل منها! ما كانت قريش تفعل هذا؛ ما كانوا يصلون إلى هذا المنحدر السَّخيف السَّحيق، هذا يفعله أناس يقولون: إنَّهم مسلمون. في بلد ما في الهند بالذات في ـ حيدر آباد ـ رأيت قبرًا على حافة الطريق يقابله تمامًا وثن للهنادك ، هذا الوثن يمرُّ به الوثنيون يقولون هكذا، أي يسلِّمون وينصرفون، أمَّا القبر فبُنِيَت عليه قُبَّة وعليه تابوت مجلَّل بالحرير والبخورمن أفخر أنواع البخور من العود الغالي يتصاعد، والنَّاس عاكفون خاشعون حول هذا القبر، قلنا لهم: هؤلاء ماذا يقولون للوثنيين؟! إلى ماذا سيدعون؟! ما هو الإسلام الذي سيدعون إليه؟! سيجيبونهم: والله أنتم تعبدون الأوثان أكثر منَّا! أنتم وثنيون غارقون في الوثنية أكثر منَّا!... وشيءٌ كثير وكثير ودعوات تقوم لا تحرِّك أيَّ ساكن من هذا الوباء، ونحن إذا استعرضنا القرآن الكريم نجد دعوات الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ أوَّلَ ما تتجه إلى محاربة هذا اللَّون من الشرك بالله قبل الإنحراف الذي يزعم محاربته السياسيون! وقبل غيره من الانحرافات، أوَّل ما يبدؤون به من الإصلاحات في عقائد النَّاس وفي دين النَّاس وفي حياة النَّاس هو محاربة الشرك الذي يعيش عليه كثيرٌ من المسلمين، والأحزاب الإسلامية والتكتلات الإسلامية لا تمس هذا الشرك وهذا الضَّلال وهذه الخرافات لا من قريب ولا من بعيد، كانوا في السَّابق يجمعون النَّاس لمواجهة الاستعمار، وقد خرج الاستعمار العسكري، والآن يضربون للنَّاس على هذا الوَتَر والنَّاس أغبياء في غاية الغباء وفي غاية البلادة؛ حتى لو جاؤوا إلى بلاد التوحيد يقولون لهم: نحارب الاستعمار، بلاد ليس فيها استعمار ولا فيها شيء وأهلُها أهل توحيد!! يخرِّبون عقائدَهم ويفسدونها باسم محاربة الاستعمار! والنَّاس ما يدركون هذه الألاعيب وهذه الحيل وتنطلي عليهم؛ فيتيه كثير من شبابنا ويصبح مستخفًّا بعقائد التوحيد وبدعوة التوحيد وبالدَّعوة إلى هذا المنهج وإلى طريق الطائفة النَّاجية؛ هذه دعوة مسكينة، يقولون عنها: الشرك... بدعة، الشرك ...بدعة، ـ إي والله ـ الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ كلُّهم جاؤوا يقولون: الشرك ...بدعة، نوح u لبث ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعو إلى التوحيد ويحارب الشرك، ونحن نحارب الشرك ونحارب البدع ونحارب الضَّلالات على المنهج السَّلفي، ونريد لهؤلاء أحلاس القبور أن يرفعوا راية التوحيد ويخرجوا من هذه الدوَّامة، وتجد الكثير من الدَّعوات تقاومك، ليتها تسكت وتمشي في طريقها وتترك لك المجال فسيحًا لتنقذ بإذن الله هؤلاء الهالكين الذين شهد عليهم رسول الله r بالهلاك، ليتهم يشتغلون بالاستعمار الخيالي! ويفعلون ما يريدون، ويتركون المجال مفتوحاً أمام من يريد هداية هذه الأُمَّة إلى التوحيد وإلى منهج الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ وإلى دعوة الأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ أجمعين، ونقول مرَّة أخرى: قال الله I: ﴿...فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [النساء :59] وقال I: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ [النساء: 65]، فكان رسول الله r يحذِّر من البدع وليس ثمَّة بدع، وفي زماننا آلاف البدع تنتشر وعلى رأسها تعطيل صفات الله وأسمائه، وعلى رأسها عبادة القبور، وعلى رأسها خرافات لا أوَّلَ لها ولا آخر، فكيف يُستَكثَر على من يحارب البدعة بالأخذ والرَّد فيها؟! وأنت تجد جُلَّ خُطَب رسول الله r أو كلَّها يفتتحها بقوله r: « أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كَلاَمُ الله وَخَيْرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتِهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَة »([14])، ـ والله ـ ما كان يومئذ مبتدعة ؛ لكن لماذا كان رسول الله r يُكَرِّرُ ويؤَكِّد وفي كلِّ خُطَبه يقول هذا الكلام؟ ـ واللهِ ـ لأنَّ البدع شرُّ الأمور، لماذا؟ لأنَّ هذا المبتدع مُستَدرِك على الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ قال الله I:﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ... ﴾ [الشورى: 21]؛ لأنَّ هذا العمل المُبتَدَع لا يقبله الله ـ حتى لو كان صلاةً ما دامت مُبتَدَعةً ـ ، ومن ذلك صلاة الرغائب، فقد قال العلماء فيها منهم ابنُ الصلاح والنَّووي و ابن عبد السلام وابن تيمية وأبو شامة، قالوا: إنَّ هذه من أخبث البدع، وهي صلاة وقراءة قرآن، لماذا ؟ لأنَّ رسول اللهr ما شرع هذه الصَّلاة، ونحن لا نعبد إلاَّ الله، ولا نعبده إلا بما شرع على لسان محمد r؛ فإذا جاء إنسان كائنًا من كان يشرع لنا عبادة غير ما جاء به محمد ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فإنها تكون بدعة، وتكون ضلالة، وتكون شرّاً ؛ لأنَّ هذا الدِّين كامل لا يحتاج إلى من يضيف إليه جديدًا أبدًا؛ قال الله I: ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً .. ﴾ [المائدة: 3] فهذه البدع، هذه القبور هذه الشركيات كانت الشغل الشاغل للأنبياء ـ عَلَيْهِمْ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ جميعًا على مدار التاريخ.
ـ واللهِ ـ إنَّ رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ كان يبعث إلى تسوية القبور وإلى هدم الصُوَر ([15])في آنٍ واحد ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ وفي مرض موته ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ في آخر لحظات حياته يغطي رأسه بخميصة كما قالت عائشة وابن عباس ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ: فإذا اغتمَّ بها كشفها ويقول: r « لَعْنَةُ الله عَلَى اليَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِد »([16]) وقبل أن يموت بخمس كما في صحيح مسلم([17]) عن جندب بن عبد الله البجليt أنَّ رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ قال: « إِنَّ اللهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الله، وَلَوْ كُنْتُ مُتَخِذًا أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً أَلاَ وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدْ أَلاَ فَلاَ تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَسَاجِدْ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ »، يخاف رسول الله r أنْ يُتَّخَذَ قبرُه مسجدًا وفهموا أنه يُحذِّر وكان يقول في حياته r « لاَ تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا عَلَيَّ حَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ تَبْلُغُنِي »([18]) قالت عائشة ـ رَضِيَ الله عَنْهَا ـ: (( وَلَوْلاَ ذلكَ لأُبرِزَ قبرُه غير أَنَّه خُشِيَ أن يُتخَذَ قبرُه مسجداً ))، فاجتهدوا أين يدفنوه، فإذا دفنوه في البقيع اتُّخَِذ قبرُه مسجداً، أين يذهبون إذن؟ قالوا: ندفنه في بيته، اهتدوا إلى هذا، وفيها فيها نظر أيضًا ولكنَّها أدنى المفاسد؛ لأنَّ رسول الله r كان قد نهى عن البناء على القبور، ونهى عن تجصيص القبور[19] ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ ،ونهى عن الصلاة إلى القبور[20]، فوجدوا أحوط شيء أن يُدفَن في هذا البيت ـ صَلَوَاتُ الله وَسَلاَمُهُ عَلَيْه ـ من أن تفتتن الأمَّة، وبعد دفنه r ما كان الصحابة يقربون هذا القبر؛ أولاً: لأنَّه نهاهم أن يتخذوا قبره عيداً، وثانيا: لأنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تسكن في هذه الحجرة إلى غاية عام ثمان وخمسين، ماذا صنعوا بعد موت الصحابة ـ رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ ـ؟وانظر ماذا يصنع المسلمون الآن عند قبر الرَّسول ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم !ـ، جاء الوليد بن عبد الملك وكان ملِكًا جَبَّارًا، وكان مُغرَمًا ببناء المساجد وغيرها، وأراد أن يُوسِّع مسجد الرَّسول الكريم ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَم ـ فقال: اشتروا حُجُرَات النَّبي r، وأدخلوها في المسجد فبكى بعض التابعين لهذا التصرُّف ـ الصحابة قد انقرضوا فلم يبق إلا بعض صغارهم ـ أرادوا أن يبقى قبر الرَّسول r على وضعه، ولكن هذا الرَّجل فرض رأيه، وأُدْخِلَت الحُجُرَات بأمره في المسجد، و كان قائمًا على هذا العمل عمر بن عبد العزيز فبنى عليه بناءاً مُثلثاً حتى لا يمكن استقبال القبر، يَحْسِم به الفتنة في حدود طاقته، ثم جاء عصر المماليك وبنوا هذه القُبَّة التي تشاهدونها، ـ والله ـ هذا ليس عمل الرَّسول r، ولا أَمَرَ به، ولا يرضاه، ولا من عمل الصَّحابة، وقد اجتهدوا غاية الاجتهاد في درء الفتنة ـ رِضْوَانُ الله عَلَيْهِمْ ـ، ولكن ـ مع الأسف ـ حصل ما حصل، وقبل ذلك شُيِّدَت القبور على أيدي الرَّوافض، أمَّا أهل السنَّة ما كانوا يعرفون البناء على القبور، إنَّما ابتدع هذه البدعة الرَّوافض، ثم ورثها منهم باطنية الصوفية الذين ظاهرهم التصوُّف والتسنن وفي باطنهم زندقة وإلحاد ورفض ـ مع الأسف الشديد ـ، فهؤلاء تتَّبعوا القبور وبنوا عليها وشيَّدوها وشدُّوا الرِّحال إليها، وأقاموا الاحتفالات والأعياد ...إلى آخر الأباطيل والضَّلالات التي يعيشها أكثر المسلمين اليوم، كلُّ ذلك تسرَّب إليهم عن طريق الرَّوافض العُبيديين الذين قال فيهم علماء الإسلام: ظاهرهم الرَّفض وباطنهم الكفر المحض هؤلاء هم الذين سَنُّوا هذه السنَّة الخبيثة، ثم بعد ذلك انتشرت عبادة القبور وتشييد القبور على أيدي الصوفية في العالَم الإسلامي؛ حتى هذه الجزيزة انتشرت فيها القبور، وعبادة القبور، والذَّبح للقبور، وشد الرِّحال إليها، والحلف بها، والاستغاثة بها...، إلى آخر ما تشاهده الآن في البلدان الأخرى؛ ولكن الله ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ طَهَّرَ هذا البلد على أيدي حملة لواء الدَّعوة السلفية، الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه وإخوانه الذين اجتهدوا وجاهدوا في إقامة العقيدة، وفي إقامة شريعة الله المتكاملة، وكانوا إذا دخلوا بلدًا فيه قبور هدموا تلك القبور تنفيذًا لأمر رسول الله ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمْ ـ الذي كان يبغض رفع القبور والبناء عليها وبناء المساجد عليها أشدَّ البغض، ويلعن في ذلك ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمْ ـ؛ فكانوا يُنَفِّذون رغبةَ رسول الله r وأوامرَه وتوجيهاتِه في هدم هذه القبور، وقد هدموا قبورًا ما رأيتموها، ولعلَّ من تقادم بهم السِّن يكونون قد شاهدوا هذه المقابر التي هُدِمَت؛ فأنتم الآن يا شباب الإسلام تعيشون تحت راية التوحيد، فعليكم أن تحافظوا على هذه النِّعمة، وأن تدرسوا كتب السَّلف،وأن تدرسوا كتب شيخ الإسلام ابنِ تيمية ـ رحمه الله ـ وكتب الدَّعوة السَّلفية كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه ومدرسته القائمة على الإسلام الحق، والقائمة على المنهج السَّلفي الصحي