بسم الله
الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسوله الكريم
اما بعد
ما عصي الله بذنب أعظم من الشرك؛ لأن الشرك تنقص لمقام الربوبية ومساواة
للمخلوق، الضعيف ،الفقير. بالخالق القوي، الغني العزيز.
ولذلك كان كل ذنب يلقى به العبد ربه لم يتب منه فهو تحت مشيئة الله إن
شاء غفر وإن شاء عذبه، إلا الشرك فإنه لا يغفر إلا بالتوبة، يقول الله
سبحانه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء ..[النساء:48].
ينقسم الشرك إلى قسمين شرك أكبر، وصاحبه محرم عليه دخول الجنة أبدا. وهو
أن يصرف العبد شيئا من العبادة لغير الله، كأن يدعو الولي أو يستغيث به،
أو يطلب منه الولد والغنى والصحة، ومثل الذبح للقبر والضريح والسيد فلان،
أو للجن لدفع شرهم، فهذا وأمثاله من الشرك الأكبر، وإن صلى صاحبه وصام وحج
إلى بيت الله الحرام.
فهؤلاء إن كانوا آمنوا بالله إلا أنهم لم يكفروا بالطاغوت والله يقول: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى .
والرسول يقول: ((من قال لا إله إلا الله وكفر بما
يعبد من دون الله دخل الجنة)).
والنوع الثاني من أنواع الشرك.
هو الشرك الأصغر، وهو أعظم عند الله من كبائر الفواحش والآثام ؛لأنه لا
يغفر إلا إن تاب منه صاحبه.
بل لا بد أن يلقى جزاءه وعقابه نسأل الله السلامة والعافية.
وتعريف الشرك الأصغر: كل ما أطلق عليه اسم الشرك وليس بشرك أكبر.
وهذا الذي لا يكاد يسلم منه أحد – والعياذ
بالله -، ومظاهره كثيرة في الحواضر والبوادي، وفي النساء والذكور؛ ولهذا
وجب التحرز منه والتحذير والنهي عنه.
وإليكم بعض أمثلته على وجه الاختصار:
أولا: الرياء:
وهو أن يعمل العمل الصالح حتى يراه الناس ويمدحوه ويثنوا عليه وصاحبه
متوعد بالوعيد العظيم: فويل للمصلين الذين هم عن
صلاتهم ساهون الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون والمراؤون أول
المعذبين بالنار يوم القيامة، فاتقوا الله واحفظوا أعمالكم من الرياء، فإنه
لص خفي يسرق الأعمال الصالحة الكثيرة من حيث لا تشعرون.
ثانيا: تعليق التمائم، والوَدَع، وربط الخيط والحلقة؛ لأجل دفع الضر من
عين، ومرض، وحسد، بعد نزولها أو للوقاية منها قبل وقوعها.
ومن هذا ربط الخرق السوداء- على بعض السيارات –
أو رسم صورة العين كما يرى في بعض الشاحنات أو تعليق مجسم لرأس الغزال، أو
صورته هذه كلها شرك إذا كانت لهذا الغرض …
وهذه الأفعال قد تكون شركا أكبر، وقد تكون شركا أصغر، فتكون شركا أكبر،
إذا أعتقد أنها هي الضارة النافعة بنفسها ولا علاقة لله بها.
وإليكم بعض النصوص في هذا الموضوع:
يقول الله تعالى: قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله
إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته،
قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون . ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)). ويقول : ((من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع
الله له)). وفي رواية: ((من تعلق تميمة فقد
أشرك)). ورأى رسول الله – - رجلا في
يده حلقة من صُفر ،فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة؟ أي: لبستها حتى لا اصاب
بمرض الواهنة الذي يصيب اليد، أوحتى يزول الضرر. فقال الرسول – -: ((انزعها ،فإنها لا
تزيدك إلا وهنا ))، ثم قال كلمة عظيمة مخيفة: ((إنك
لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا)).
ورأى حذيفة بن اليمان – - رجلا في يده
خيط، فقام إليه وقطعه، وتلا قول الله تعالى: وما
يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون .
ينتشر وجود هذه المخالفات الشرعية، من لبس الخيط، وتعليق الحجب، ولبس
الحلق، وخصوصا في البوادي والقرى والهجر.
وقد علمتم إنها شرك وقد تصل إلى الشرك الأكبر،
ومن الأمور التي اعتبرها الشارع شركا أصغر: الحلف بغير الله، كالحلف
بالنبي – -، والحلف بالسيد،أو الولي، أو
حياة فلان، أو رأسه، أو الحلف بالشرف والعرض، أو الحلف بالأمانة أو الذمة
أو غير ذلك، أي أن يكون حلفا بغير الله، فهذا كله شرك أصغر.
فإن اعتقد أن هذا المحلوف به غير الله أعظم من الله أو مساوٍ لله فهذا
شرك أكبر والعياذ بالله.
يقول عليه الصلاة والسلام: ((من حلف بغير الله فقد
كفر أو أشرك)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((من
كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت)). وأرشد الرسول – - من حلف بغير الله أن يقول عقبه: ((لا إله إلا الله، وينفث عن شماله ويستغفر)). فهذا
كفارته.
ومن أنواع الشرك الأصغر:
نسبة النعم إلى غيرالله كنسبتها إلى أسبابها كأن تنسب الشفاء إلى مهارة
الطبيب، أو جودة الدواء، أو تنسب النجاة من الحادث إلى مهارة قائد السيارة،
أو نسبة المطر إلى نجم كذا ونوء كذا، يقول الله تعالى: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، وأكثرهم الكافرون .
فإنكارهم لها يكون بنسبتها إلى غيره والله يقول وما
بكم من نعمة فمن الله ، وهذا لا ينافي شكر من كان سببا فيها
ومكافأته والدعاء له.
ومن أنواع الشرك الأصغر:
العطف على الله بالواو في الأفعال، ومن أمثلة ذلك: أنا داخل على الله
وعليك. فهذا لا يجوز بل الصحيح أن تقول: أنا داخل على الله ثم عليك. وأحسن
منها: أنا داخل على الله وحده. وأقبح شيء قول الرجل: أنا داخل عليك؛ لأن
الدخول بمعنى العوذ والالتجاء.
وهناك بعض الألفاظ بجب تنزيه اللسان منها لأنها محرمة تنقص التوحيد أو
تنافيه.
مثل: حرام يكون كذا. مثل: حرام يموت فلان. أو يصاب. فالله لا جابر له،
ولا موجب عليه سبحانه.
ومثل: سب الأيام والليالي، أو سب الزمان.
ومثل: دعاء الصفات كأن تقول: يا وجه الله، فصفات الله لا تدعى، ولكن
يتوسل بها فقط.
ومن الألفاظ المنهي عنها: قول بعضهم لبعض، تراني متوكل عليك، أو على الله
وعليك.
فالتوكل عبادة خالصة لله، فلا تقول إلا توكلت على الله وحده، ثم وكلتك،
أو أنبتك، والوكالة غير التوكل ربنا عليك توكلنا
وإليك أنبنا وإليك المصير .
اللهم طهر قلوبنا وألسنتنا من الشرك كله أكبره وأصغره