يقول الشيخ الألباني - رحمه الله - (( أقولوأخصُّ به المسلمين الثقات ، المتمثلين في الشباب الواعي ، الذي عرف أولاً مأساةالمسلمين ، واهتم ثانياً بالبحث الصادق عن الإخلاص وبكل ما أُتيه من قوة … بينماالملايين من المسلمين مسلمون بحكم الواقع الجغرافي أو في تذكرة النفوس – الجنسية أوالبطاقة أو شهادة الميلاد – فهؤلاء لا أعنيهم بالحديث ، أعود فأقول : إن الخلاص إلىأيدي هؤلاء الشباب يتمثل في أمرين لا ثالث لهما ؛ التصفية والتربية .
التصفية
وأعني بالتصفية : تقديم الإسلام على الشباب المسلم مصفىًّ من كل ما دخل فيه علىمِّر هذه القرون والسنين الطوال ؛ من العقائد ومن الخرافات ومن البدع والضلالات ،ومن ذلك ما دخل فيه من أحاديث غير صحيحة قد تكون موضوعة ، فلا بد من تحقيق هذهالتصفية ؛ لأنه بغيرها لا مجال أبداً لتحقيق أمنية هؤلاء المسلمين ، الذين نعتبرهممن المصطفين المختارين في العالم الإسلامي الواسع .
فالتصفية هذه إنما يراد بهاتقديم العلاج الذي هو الإسلام ، الذي عالج ما يشبه هذه المشكلة ، حينما كان العربأذلاء وكانوا من فارس والروم والحبشة من جهة ، وكانوا يعبدون غير الله تبارك وتعالىمن جهة أخرى .
نحن نخالف كل الجماعات الإسلامية في هذه النقطة ، ونرى أنه لا بدمن البدء بالتصفية والتربية معاً ، أما أن نبدأ بالأمور السياسية ، والذين يشتغلونبالسياسة قد تكون عقائدهم خراباً يباباً ، وقد يكون سلوكهم من الناحية الإسلاميةبعيداً عن الشريعة ، والذين يشتغلون بتكتيل الناس وتجميعهم على كلمة (( إسلام )) عامةليس لهم مفاهيم واضحة في أذهان هؤلاء المتكتِّلين حول أولئك الدعاة ، ومن ثم ليسلهذا الإسلام أي أثر في منطلقهم في حياتهم ، ولهذا تجد كثيراً من هؤلاء وهؤلاء لايحققون الإسلام في ذوات أنفسهم ، فيما يمكنُهم أن يطبِّقوه بكل سهوله . وفي الوقتنفسه يرفع هؤلاء أصواتهم بأنه لا حكم إلا لله ، ولا بد أن يكون الحكم بما أنزل الله؛ وهذه كلمة حقٍّ ، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه .
العلة الأولى الكبرى : بُعدهم عنفهم الإسلام فهماً صحيحاً ، كيف لا وفي الدعاة اليوم من يعتبر السلفيين بأنهميضيعون عمرهم في التوحيد ، ويا سبحان الله ، ما أشد إغراق من يقول مثل هذا الكلامفي الجهل ؛ لأنه يتغافل – إن لم يكن غافلاً حقًّا – عن أن دعوة الأنبياء والرسلالكرام كانت ( أن عبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) . بل إن نوحاً عليه الصلاة والسلامأقام ألف سنة إلا خمسين عاماً ، لا يصلح ولا يشرع ولا يقيم سياسة ، بل : يا قوماعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت .
هل كان هناك إصلاح ؟ هل هناك تشريع ؟ هل هناكسياسة ؟ لا شيء ، تعالوا يا قوم اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، فهذا أول رسول – بنص الحديث الصحيح – أُرسل إلى الأرض ، استمرَّ في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماًلا يدعوا إلا إلى التوحيد ، وهو شغل السلفيين الشاغل ، فكيف يُسفُّ كثير من الدعاةالإسلاميين وينحطُّوا إلى درجة أن ينكروا ذلك على السلفيين .
التربية : والشطر الثاني من هذه الكلمة يعني أنه لا بد من تربية المسلمين اليوم ، على أساسألا يفتنوا كما فُتِن الذين من قبلهم بالدنيا . ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام(( ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تُفتح عليكم زهرة الحياة الدنيا ،فتهلككم كما أهلكت الذين من قبلكم )). ولهذا نرى أنه قَّل مَنْ ينتبه لهذا المرضفيربي الشباب ، لا سيما الذين فتح الله عليهم كنوز الأرض ، وأغرقهم في خيراته – تبارك وتعالى – وفي بركات الأرض ، قلَّما يُنبه إلى هذا .
مرض يجب على المسلمينأن يتحصنَّوا منه ، وأن لا يصل إلى قلوبهم (( حب الدنيا وكراهة الموت )) ، إذاًفهذا مرض لا بد من معالجته ، وتربية الناس على أن يتخلصوا منه .الحل وارد فيختام حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : (( حتى ترجعوا إلى دينكم )) . الحل يتمثلفي العودة الصحيحة إلى الإسلام ، الإسلام بالمفهوم الصحيح الذي كان عليه رسول اللهصلى الله عليه وسلم وصحابته .
قال تعالى : ( إن تنصروا الله ينصُرْكم ) وهي التيأجمع المفسرون على أَنَّ معنى نصر الله : إنما بالعمل بأحكامه ، فإذا كان نصر اللهلا يتحقق إلا بإقامة أحكامه ، فكيف يمكننا أن ندخل في الجهاد عملياً ونحن لم ننصرالله ؛ عقيدتنا خراب يباب ، وأخلاقنا تتماشى مع الفساد ، لا بد إذاً قبل الشروعبالجهاد من تصحيح العقيدة وتربية النفس ، وعلى محاربة كل غفلةٍ أو تغافُل ، وكلِّخلافٍ أو تنازع ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم ) وحين نقضي على هذا التنازعوعلى هذه الغفلة ، ونُحِلُّ محلها الصحوة والائتلاف والاتفاق ؛ نتجه إلى تحقيقالقوة المادية ( وأعدوا لهم ما استطعْتُم من قوة ومن رباط الخيل )
أخلاقالمسلمين في التربية خراب يباب . أخطاء قاتلة ، ولا بد من التصفية والتربية والعودةالصحيحة إلى الإسلام ، وكم يعجبني في هذا المقام قول أحد الدعاة الإسلاميين – منغير السلفيين ، ولكن أصحابه لا يعملون بهذا القول - : (( أقيموا دولة الإسلام فيقلوبكم تقم دولته في أرضكم )) .. إن أكثر الدعاة يخطئون حين يغفلون مبدأنا هذا ،وحين يقولون : إن الوقت ليس وقت التصفية والتربية ، وإنما وقت التكتل والتجمُّع .. إذ كيف يتحقق التكتُّل والخلاف قائم في الأصول والفروع .. إنه الضعف الذي استشرى فيالمسلمين .. ودواؤه الوحيد يتلخَّص فيما أسلفتُ في العودة السليمة إلى الإسلامالصحيح ، أو في تطبيق منهجنا في التصفية والتربية ، ولعلَّ في هذا القدر كفاية .