الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على رسولنا الأمين، وآله وصحبه الغر الميامين، وبعد:
فإن معتقد أهل السنة والجماعة في الصحابة رضوان الله عليهم وسط فلا يسبونهم
ولا يشتمونهم ولا يكفرونهم، ولا يفرقون بينهم؛ فيوالون كل الصحابة الذين
ثبتوا على الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاتل الصديقُ
بهم المرتدين؛ وهم أناس كثيرون في المدينة، ومكة، والطائف، خلافاً للخوارج
الذين يعادون عثمان وعلياً رضي الله عنهما، وخلافاً للروافض الذين يعادون
أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وأنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الصدد؛ فهو نافع وكاف
بإذن الله تعالى:
(وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ سَلَامَةُ قُلُوبِهِمْ
وَأَلْسِنَتِهِمْ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ
رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.
وَطَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ
أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ».
وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ مِنْ
فَضَائِلِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ.
وَيُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ -وَهُوَ صُلْحُ
الْحُدَيْبِيَةِ- وَقَاتَلَ، عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلَ.
وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الْأَنْصَارِ.
وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ قَالَ لِأَهْلِ بَدْرٍ -وَكَانُوا ثَلَاثَ
مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ- : "اعْمَلُوا مَا
شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
وَبِأَنَّهُ "لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ
تَحْتَ الشَّجَرَةِ"؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بَلْ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ.
وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَالْعَشَرَةِ، وَثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
شَمَّاسٍ، وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ على خلافة أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ
الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَيُثَلِّثُونَ
بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ كَمَا
دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى
تَقْدِيمِ عُثْمَانَ فِي الْبَيْعَةِ.
مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي
عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى
تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ
عُثْمَانَ وَسَكَتُوا، أَوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّمَ قَوْمٌ
عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا؛ لَكَنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ
السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ.
وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ
لَيْسَتْ مِنَ الْأُصُولِ الَّتِي يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ
جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ .
لَكَنِ الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ الْخِلَافَةِ، وَذَلِكَ
أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ،
ثُمَّ عَلِيٌّ.
وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلَافَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ
حِمَارِ أَهْلِهِ).
(للمزيد انظر: شرح الواسطية للشيخ ابن عثيمين)