بوسيف عضو اداره
الجنس : عدد المساهمات : 487 نقاط : 6645 السٌّمعَة : 1 تاريخ الميلاد : 16/06/1972 الموقع : بوسيف المزاج : مرتاح
| موضوع: الواقع والواجب في العمل بالعلم الأربعاء 09 يونيو 2010, 16:55 | |
|
العمل بالعلم بين الواقع والواجب بقلم الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان
العمل بالعلم من المؤكد أن المنزلة السامية، والثواب العظيم لطالب العلم، لا يكون إلا لمن عمل بعلمه. ومن هنا وجب إتباع العلم بالعمل. وظهور آثار العلم على مقتنيه، فالعلم إنما يطلب ليعمل به، كالمال يطلب لإنفاقه في طرق الخير، وإذا لم يتحول العلم إلى واقع ملموس يراه الناس فهو وبال على صاحبه، والجاهل خير منه. يقول ابن جماعة – رحمه الله -: ( واعلم أن جميع ما ذكر من فضيلة العلم والعلماء إنما هو في حق العلماء العاملين الأبرار المتقين الذي قصدوا به وجه الله الكريم والزلفى لديه في جنات النعيم. لا من طلبه لسوء نية أو خبث طوية أو لأغراض دنيوية من جاه أو مال أو مكاثرة في الأتباع والطلاب . . . )([1]). ولما كان هذا الموضوع بمكان من الأهمية فسأذكر – إن شاء الله – النصوص الشرعية التي تؤكد على طالب العلم أن يكون عاملاً بعلمه، قائماً بحقوق الله وحقوق خلقه قدر استطاعته، وكذا النصوص التي تضمنت الوعيد الشديد للعالم الذي لم يستنر بعلمه. وأبدأ أول بالنصوص القرآنية من القرآن: الآية الأولى: قال تعالى: (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون )) [البقرة: 44]. ونحن نعلم أن الله – تعالى – ذكر في القرآن جملة من صفات اليهود وطبائعهم وأخلاقهم، لتحذير هذه الأمة من سلوك طريقهم، أو التشبه بشيء من أخلاقهم. وهنا يذم القرآن اليهود على كونهم يأمرون بالخير ولا يفعلونه ويدعون إلى البر ويهملونه. قال ابن كثير – رحمه الله -: ( والفرض أن الله – تعالى – ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه. وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم. ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من يأمرهم به ولا يتخلف عنهم . . )([2]). الآية الثانية: قال – تعالى -: عن شعيب عليه الصلاة والسلام: ((وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب )). [هود: 88]. وهذا الموقف من شعيب عليه السلام هو موقف الداعية المصلح الذي يبدأ بتطبيق ما يدعو إليه على نفسه. ويأخذها بالحزم، ويروضها على ما يريده الإسلام، وهذا هو الداعية الناجح الذي يقدم للناس أحكام الإسلام، وأخلاقه صوراً حية يرونها بأم أعينهم، لا أقوالاً رنانة وكلمات طنانة، ثم يرون الانفصام بين القول والسلوك. وهذا مذموم في نظر العقلاء. قال الشاعر:
[size=21][b][size=21][b][size=21]غير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل [/size][/b][/size][/b] يقول سيد قطب – رحمه الله – ( أن الكلمة لتنبعث ميتة وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقاً إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيماً واقعياً لما ينطق، عندئذ يؤمن الناس ويثق الناس، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولا بريق، إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها، إنها تستحيل يؤمئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من حياة)([3]). الآية الثالثة: قال تعالى: (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )) . [الصف: 3،2]. وقد اتفقت كلمة المفسرين على أن سبب النـزول أن رجالاً رغبوا في الإذن لهم في الجهاد وأحبوا معرفة أفضل الأعمال عند الله تعالى. فقد أخرج الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: " كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد، يقولون لوددنا أن الله – عز وجل – دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل بها، فأخبر الله – تعالى – نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن أحب الأعمال : إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به". فلما نزل الجهاد، كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره، فأنزل الله – سبحانه وتعالى -: (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون )) ([4]). ومع أن الجمهور يرون أنها نزلت في موضوع الجهاد وتمنيه. ولكن المعنى أشمل وأعم. فإن النصوص القرآنية أبعد مدى من الحوادث المفردة التي نزلت الآيات لمواجهتها، وأشمل الحالات غير الحالة التي نزلت بسببها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب – كما قرره الأصوليون – فيستدل بالآية من عموم لفظها على الإنكار على كل من خالف قوله فعله، سواء في الوعد أو العهد أو الأمر أو النهي. ومن هنا فالآية درس للأمة الإسلامية، وتوجيهات ربانية، مبدوءة بلفظ محبب إلى النفوس، وثمنه التنفيذ والامتثال، بأن يكون كل فرد منا عند قوله، فلا يقول إلا حيثما يتبع القول بالعمل، وإلا فقد عرض نفسه لمقت الله – تعالى – الذي هو أشد البغض. قال الراغب: ( المقت: البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح)([5]). يقول صاحب الظلال – رحمه الله -: ( إن الإيمان الصحيح متى استقر في القلب ظهرت آثاره في السلوك، والإسلام عقيدة متحركة لا تطيق السلبية، فهي بمجرد تحققها في عالم الشعور، تتحرك لتحقق مدلولها في الخارج، ولتترجم نفسها إلى حركة، وإلى حركة في عالم الواقع. ومنهج الإسلام الواضح يقوم على أساس تحويل الشعور الباطن بالعقيدة وآدابها إلى حركة سلوكية، لتبقى حية متصلة بالينبوع الأصيل . . )([6]). [size=21]إن العمل بالعلم من أهم صفات الداعية بعد الإخلاص وحسن القصد، فإن الداعية لا بد أن يكون على علم بما يدعو إليه من كتاب الله – تعالى – وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم-. فإذا تحول هذا العلم إلى سلوك واقعي، يراه الناس، وثقوا به وبدعوته، بل أغناه هذا السلوك عن كثير وكثير من الكلام.[/size]ولا يبعد أن يكون سبب إخفاق كثير من الدعاة فشلهم في تحويل علمهم إلى حركة في عالم الواقع يراها من يسمع كلامهم.وأزيد هذا المعنى بياناً عند الكلام على آثار العمل بالعلم إن شاء الله.الآية الرابعة: قوله تعالى: ((يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا. ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقاً كريماً )).[الأحزاب: 30-31].[size=21]قال القرطبي – رحمه الله -: ( جعل الله ثواب طاعتهن وعقاب معصيتهن أكثر مما لغيرهن فقال: ((يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين )) فأخبر تعالى أن من جاء من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - بفاحشة – والله عاصم رسوله – عليه الصلاة والسلام – من ذلك يضاعف لها العذاب ضعفين؛ لشرف منـزلتهن، وفضل درجتهن، وتقدمهن على سائر النساء أجمع، وكذلك بينت الشريعة في غير ما موضع، أنه كلما تضاعفت الحرمات فهتكت، تضاعفت العقوبات، ولذا ضوعف حد الحر على العبد، والثيب على البكر . . )([/size] [7]).وقال النسفي – رحمه الله -: d]يضاعف لها العذاب ضعفين) ضعفي عذاب غيرهن من النساء؛ لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن، فزيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل، وليس لأحد من النساء مثل فضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم ولذا كان الذم للعاصي العالم أشد من العاصي الجاهل؛ لأن المعصية من العالم أقبح ]([8]).------------------------------------------------------------------------------------------------------------- ([1]) تذكرة السامع والمتكلم ص13.([2]) تفسير ابن كثير (1/87) ط دار الشعب وانظر تفسير القرطبي (1/366) ط: دار إحياء التراث.([3]) في ظلال القرآن (1/85) ط: دار إحياء التراث. السابعة.([4]) تفسير الطبري (28/83، 84) وانظر كلاماً جيداً حول موضوع الآية للأستاذ عثمان جمعة ضميرية في رسالة بعنوان (دعوة كريمة).([5]) المفردات في غريب القرآن ص470 ط: الحلبي.([6]) في ظلال القرآن (6/114).([7]) تفسير القرطبي (14/ 174). ([8]) تفسير النسفي (3/301-302) ط: دار الفكر.[/size] | |
|