الموضوع المهم
يقول الله عز وجل: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [الذاريات:56-58].
لم يخلق الله الخلقَ ليتقوى بهم من ضعف، ولا ليتعزز بهم من ذلةٍ، ولا ليستكثر بهم من قلة. فهو المنعم المتفضل، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير.. خلقهم لعبادته وطاعته، ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا.
أيها الإخوة في الله: إن البشر عاجزون عن أن يجلبوا لأنفسهم نفعاً أو يدفعوا ضراً، وعقولهم قاصرة أن تدرك طرق الصلاح وسبل الرشاد إذا لم تكن عناية الله وهدايته وتوفيقه.
إن الإنسانية حين تضل عن سبيل الله تتخبط في فوضى التدين وتغرق في أوحال الجاهلية.
ألم يتخذوا لأنفسهم معبودات مزيفة وأصناما خرساء؟ اتخذوها من عجين وتمر، يتوجه إليها عابدها حتى إذا جاع أكلها. جعلوا من دون الله أصناما وأوثانا يقصدونها في الرخاء وينبذونها في الشدة: واتخذوا من دونه ءالهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً [ الفرقان :3]. اتخذوها فلم يروا إلا سرابا، ولم يزدادوا إلا تبارا.
كل هذه الفوضى – أيها الإخوة – أبطلها محمد حيث جدد الملة الحنيفيةَ. صدع بكلمة الحق مدوية في المشارق والمغارب، قائلا عليه الصلاة والسلام: ((كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم: لا إله إلا الله محمد رسول الله))1.
إنها أصل الدين وقاعدته. لأجلها نصبت الموازين، ونشرت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسم الناس فيها الى فريقين مؤمنين وكفار، ومتقين وفجار. إنها حق الله على العباد، وفي سبيلها تجرد سيوف الجهاد.
إخوة العقيدة والتوحيد : إن توحيد الله والدعوة إليه وإثباته أفاض فيه كتاب ربنا سوقا في الأدلة، ضربا للأمثال وردا على المبطلين الجاحدين. هو الله الأحد الفرد الصمد، الذي أبدع الأفلاك في ضخامتها والآفاق في سعتها، ووهب العقول إدراكها وذكاءها، وألهم النفوس فجورها وتقواها. في بديع خلق السماوات والأرض وما بينهما دلائل الوحدانية، وبراهين التفرد باستحقاق العبادة.
أم اتخدوا ءالهة من الأرض هم ينشرون لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون [ الأنبياء:21-22].
قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار [الرعد:16].
لا يرتفع الشقاء والعناء عن البشرية إلا حين تستيقن البصائر ويصح في العقول أنه سبحانه الواحد القهار، له الملك كله وله الأمر كله: ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحـد القهار [يوسف:39].
هل يستوى من تتوزعه الأهواء وتتنازعه الشهوات، لا يدري أين يوجه ولا لمن له الرضا والخضوع؟ هل يستوي مع من خضع للإله الحق فنعم براحة اليقين، وبرد الاستقامة ووضوح الطريق؟؟.
استمعوا إلى المثل المضروب من كتاب الله : ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون .[الزمر:29].
إله واحد.. وعقيدة صافية.. وتوحيد نقي تخرج النفس به من الخرافات والأوهام.بالتوحيد الخالص يرتفع ابن آدم بكرامته من أن يخضع لأي مخلوق علت مرتبته أو دنت. فكل الخلائق عبيد لله طوعا وكرها.. كلهم تحت قهره وأمره إن كل من في السماوات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عداً وكلهم ءاتيه يوم القيامة فرداً [مريم:93-95].
ليس للقلوب سرور وليس للصدور انشراح إلا في صدق العبادة، وإخلاص المحبة، وتمام الذل والخضوع، وصرف البصر والبصيرة عن الالتفات إلى ماسوى الله ذي الجلال والإكرم.
فيه يكون الولاء والبراء، والحب والبغض، والمودة والعداء. يضعف كل رباط إلا رباط العقيدة، وتضمحل كل وشيجة إلا وشائج الحب في الله. رابطة الإيمان يتهاوى دونها كل صلة بعرق أو تراب أو لون.
معاشر الأحبة: وتوحيد الاعتقاد يتبعه توحيد العمل والاستقامة في الاتباع، لا تقوم العقيدة بصفائها إلا حين نقارنها بالعمل الصالح، وإسلام الوجه لله والإحسان في العمل.
ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى [لقمان:22]. ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً [ النساء:125].
الموحد لله تكون مشاعر قلبه وخلجات ضميره مرتبطة بربه مؤتمرة بأوامره، منتهية عن نواهيه، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، يقف عند حدوده منتصب القامة مرتفع الهامة، لا يركع ولا يسجد ولا ينحني إلا لله رب العالمين.
من نازع الله في الحكم فقد نازعه حقا من حقوق العبادة: إن الحكم الا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه . [ يوسف:40].
إن الدين القيم لا يتحقق إلا حين يعترف المؤمن باختصاص الله بالحكم كما هو مختص بالعبادة في جميع أنواعها: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .[النساء:65].
والغلو في التعلق بالدنيا يصير صاحبه عابدا لها مؤثرا ذلك في توحيده وصحة عبادته..حينما لا يكون غضبه إلا من أجلها، ورضاه في سبيلها.
ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون [التوبة:58-59].
وفي الحديث الصحيح: ((تعس عبد الدينار. تعس عبد الدرهم. تعس عبد الخميصة. تعس عبد القطيفة)).
ويلتحق بذلك كل أصحاب الأهواء وعبيد الملذات، إن حصل لصاحبه ما يشتهي رضي، وإن لم ينل مراده سخط. ما العبودية إلا عبودية القلب فعبد الله على الحقيقة من كان رضاه في رضا ربه وسخطه في سخط ربه.
وهكذا أيهاالاخوه يتجلى التوحيد.. طهارة في القلب، وصحة في العقل، ورفعة في السلوك، واستقامة على الفطرة فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون [الروم:30].
وما لم يتحقق التوحيد وإخلاص العبادة وتمام الخضوع والانقياد والتسليم.. فلا تقبل صلاة ولا زكاة ولا يصح صوم ولا حج، ولا يزكوا أي عمل يتقرب به إلى الله: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون [الفرقان:23].
إذا لم يتحقق التوحيد ويصدق الاخلاص فلا تنفع شفاعة الشافعين، ولا دعاء الصالحين حتى ولو كان الداعي سيد الأنبياء محمدا . اقرءوا إن شئتم: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم [التوبة:80].
فاتقوا الله عباد الله وحققوا إيمانكم وأخلصوا أعمالكم يهدكم ربكم ويصلح بالكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير [الأنعام:14-18].
استغفر الله العظيم من كل ذنب وأتوب اليه
العبد الفقير لعفو الله ابو الفداء