[center
الحرب العالمية الأولى
1914– 1918 م
اندلعت الحرب العالمية الأولى ، وكانت إيطاليا فيها مع الإنجليز وضد تركيا وألمانيا . وانشغل الإيطاليون في معاركهم مع النمسا حيث حملوا إلى هذه الحرب سبعة الآف مجند ليبي شحنوا قسراً إلى أوروبا للدفاع عن إيطاليا .
ورأى الأتراك أن المعارك الفعالة التي وقعت في ليبيا ضد إيطاليا من الممكن أن يستثمروها لصالحهم في هذه الحرب فسهلوا عودة بعض قيادات المجاهدين مثل الشيخ محمد سوف محملين بالوعود والأماني الطيبة من السلطان لدوام الحرب ضد الكفار . ثم عادوا رسمياً بضباطهم في بداية عام1916م مكلفين الشيخ سليمان الباروني بأن يكون والياً على طرابلس وأرسلوه ليضغط على الشيخ أحمد الشريف ليهاجم الإنكليز في مصر وذلك ليخفف الضغط على الأتراك وقواتهم الزاحفة من الشام عبر سيناء بقيادة جمال باشا .
وكما هو معروف رفض الشيخ أحمد هذا الاقتراح لأنه سيقطع على المجاهدين سبيل رزقهم ويقفل في وجوههم أسواق مصر ( السلوم ) ولكن الضباط الأتراك ، وسليمان الباروني ضغطوا على الشيخ لدرجة أنهم فكروا في نسف خيمته ، ورضخ مكرهاً . وتقدمت قواته إلى أن وصلت إلى الحمام بالقرب من الاسكندرية يقودها أنور وجعفر العسكري (1) . ولكن الإنكليز صدوا هذه الحملة ، وشتتوا المجاهدين كما أخبرني محمد شرف الدين الضابط التركي في هذه الحملة . وعاد الشيخ أحمد إلى سيوه ومنها إلى الجغبوب ثم إلى الجفرة . ومنها تفاهم الإنكليز والطليان مع ابن عمه ادريس وارتحل أحمد الشريف إلى تركيا ومنها إلى المدينة المنورة حيث توفى عليه رحمة الله عام1933 م(2) .
هذا ما حدث باختصار في الجهة الشرقية من القبلة أما في الجهة الغربية فقد وصل إلى تالوت محمد هاشم الزوي وسالم بن عبد النبي والشيخ محمد المهدي السني ، وعينوا موظفين تابعين لهم في المنطقة باعتبار أن المنطقة أصبحت تابعة للسيد عابد السنوسي ، وأخذوا الغنائم التي استولى عليها المجاهدون ، وأرسلوها إلى عابد في واو ، وسجنوا خليفة بن عسكر في الزنتان بعد أن طلبوا منه الكف عن محاربة الفرنسيين في تونس .
ولكن المواطنين في الجهات الغربية لا علاقة لهم بالسنوسيين ولا يعرفونهم ، ولقد طردوا الطليان في معارك حاسمة لا علاقة للسنوسيين بها فحدث تململ في المنطقة يقوده الشيخ سوف المحمودي الذي أخرج محمد الهاشمي الزوي من الجوش ، وسبقه على الرحيبات ليمنعه من الوصول إليها ولكنه وصل إلى الزنتان . وانقسم الزنتان إلى مؤيدين له ، ومعارضين له ووقعت خصومات ومناوشات في ما بينهم ، مات بسببها عدة أشخاص (3) . وكان في هذا الوقت قد تقدم عابد السنوسي من واو باتجاه الجبل ماراً ( ببرقن ) في طريقه إلى القريات . وهنا عقد زعماء الجبل الغربي والقبلي والجهات الغربية اجتماعاً ( بأم الجرسان ) بيفرن (4) قرروا فيه عدم اعترافهم بعابد السنوسي ومصادمته إذا اقتضى الأمر ذلك .
سارع أولاد أبي سيف بقيادة الشيخ أبي بكر قرزة والشيخ أحمد بن بشير على رأس محلة قوامها 200 مسلح في الوصول إلى القريات لاعتراض طريق عابد الذي وصل إلى ( بئر تاجحل ) .
أرسلت المجموعة شخصين لمخاطبة عابد ، وهما أحمد بن بشير ، وعبدالسلام قرزة وطلبا من عابد الطلبات التالية باسمهما :
1- إجلاء السنوسيين عن القبلة والشاطئ وعودتهم إلى ( واو ) .
2- إعادة الأرزاق التي نهبها مراسلوه من الناس بما فيها إبل سعد جلغم وابنته التي تزوجها غصباً محمد الهاشمي الزوي .
3- دعوة محمد هاشم الزوي ومن معه إلى العودة من نالوت .
وأمام صلابة محدثيه وجديتهم التقى عابد في اجتماع موسع زعماء المنطقة ، وأرجع أرزاق الناس التي سلبت منهم . وأمر هاشم بالعودة إلى واو وارتحل هو الآخر بعد أن وجد في البئر التي يشرب منها (ميتة) وضعوها له للتهديد .
عاد عابد إلى واو بعد أن عين أحمد سيف النصر متصرفاً على فزان ، ومحمد كاوصن قائمقاماً على الجفرة ، وأحمد العياط قائمقاماً على براك ، وابن سلمى في الوادي الشرقي والغول في الوادي الغربي والمنتصر في مرزق (5) .
وقد جمع كاوصن مجموعة من المشاشية وأولاد بوسيف بحجة أنه يريد ضيافتهم ولكنه غدر بهم . ويقول الشيخ الباروني :
((كوش جاء من طرف العابد لتفليق فزان وتوجه من المشاشية ومن معه نحو 60 رجلاً إلى فزان كذلك وعمل كل مت أمكنه من النهب ثم طلب كوش الاجتماع بهم بالأمانة فأتوا فأكرمهم أولاً وحرضهم على الاتفاق ثم قال لهم إننا سننحر لكم ناقة ضيافة فاجتمعوا في محل منخفض بدون سلاح وبينما هم يأكلون أحاط بهم العسكر بالمدافع وأوثقوهم كتافاً بجلد الناقة المذبوحة وقطع أيدي بعضهم وأذن بعضهم قائلاً كانت هذه اللحمة مانعة لسماع أمري فيلزم قطعها ليصل الكلام إلى الأذن بسرعة وحبس الباقين حتى مات أكثرهم وهذا تعصب عرب الوديان لعدم قبول محمد عابد لما وصل القريات )) (6) .
ولم تكن منطقة فزان وحدها تشهد هذه الاضطرابات بعد خروج الطليان منها ، بل هناك خلافات أخرى شديدة بين السنوسيين والذين يمثلهم صفي الدين السنوسي وبين رمضان السويحلي وعبدالنبي بلخير من جهة أخرى ، الأمر الذي تم بسببه إخراج صفي الدين من المنطقة ، وإعدام أحمد التواتي الذي كان السبب في الحرب التي وقعت بين ترهونة ومصراتة في بداية1916 م . ولم ينته الأمر عند خروج السنوسيين من ترهونة وبني وليد ومصراتة بل تشكلت محلة من ورفلة ومصراتة ، ولاحقت السنوسيين في الجفرة وتمكنت من طرد محمد كاوصن منها . وتم تعيين الضابط التركي ( ألبرتوا توفيق ) قائمقاماً على الجفرة .
غير أن السنوسيين وأتباعهم لم يستطيعوا بلع هذه الإهانة بل تحركت القبائل التابعة لهم بقيادة سيف النصر وهاجمت الجفرة ، وتم القبض على ( ألبرتو توفيق ) وإعدامه .
وعين السنوسيين قائمقاماً على الجفرة ( غيث بوقنديل الزوي ) (7) الذي بقى بها عدة أشهر