بسم الله الرجمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد
.... (( دعاء غير الله
نريد أن نعرف حقيقة الدعاء لغة وشرعا.
1_ قال في الصحاح دعوت فلانا صحت به واستدعيته ودعوت الله له وعليه.
2_ وقال في القاموس الدعاء الرغبة إلى الله.
3_ وقال في المصباح دعوت الله أدعوه دعاء ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله.
4_ وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: "والدعاء الطلب والدعاء إلى الشيء الحث على فعله ودعوت فلانا سألته ودعوته إستغثته".
فالدعاء إذا استدعاء ورغبة ونداء وابتهال بالسؤال واستغاثة والذي يدعو
الله راغب إليه ومنادٍ له ومبتهل وسائل له ومستغيث به والداعي لغير الله
من ميت وغائب كذلك.
(حقيقة الدعاء في القرآن)
1_ قال تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي
مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} آل عمران.
2_ وقال تعالى عن زكريا أيضا: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً
قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ
شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً وَإِنِّي خِفْتُ
الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ وَلِيّاً}.
فالدعاء المذكور في آل عمران سمّاه هنا نداء وفسر النداء في سورة مريم بطلب الولد.
حقيقة الدعاء في السنة:
1_ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا
دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة
فإن الله سبحانه لا يتعاظمه شيء أعطاه".
فسمى ما يطلبه العبد من ربه دعاء ومسألة رغبة وهو موافق لأقوال أئمة اللغة.
2-* *وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستجاب
لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي" متفق عليه وأخرجه الترمذي.
3_ وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا
أحدكم فليعزم الدعاء ولا يقل اللهم إن شئت فأعطي فإن الله لا مستكره له"
متفق عليه.
والأحاديث ومؤلفات العلماء وتراجمهم في الدعاء شيء لا يأتي عليه العد بل
عوام الناس إذا ذكر لفظ الدعاء لا يتبادر إلى أذهانهم إلا هذه الحقيقة وهي
النداء والسؤال والطلب.
إذا تقررت وفهمت حقيقة الدعاء على ضوء الكتاب والسنة واللغة العربية وواقع
الناس فالله تعالى قد أمرنا بدعائه ونهانا أشد النهي عن دعاء غيره.
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ
الْمُحْسِنِينَ}.
أمرنا الله بدعائه وعلمنا آداب الدعاء التي يرجى من ورائها الإجابة وهي:
1_ التضرع 2_ الخفية 3_ الخوف 4_ الطمع.
وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ
دَاخِرِينَ}.
فهنا ندب تبارك وتعالى عباده إلى دعائه وأخبر أن المستكبرين عن دعائه
مستكبرون عن عبادته لأن الدعاء أهم أنواع العبادة وأعظمها فالتارك لدعائه
استكبارا كافر سيدخل جهنم داخرا أي صاغرا وقد روى الإمام أحمد وأبو داود
والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبن أبي حاتم عن النعمان بن بشير عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدعاء هو العبادة" ثم قرأ {وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
قال الترمذي صحيح الإسناد ومعنى الدعاء هو العبادة كما قال العلماء أي
جلها ومعظمها كقوله صلى الله عليه وسلم "الحج عرفة" أي أعظم أركان الحج،
وكقوله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة" ولا شك أن الدعاء كذلك ولذا
تعبدنا الله به في كل صلاة.
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}.
هذه لمحة عن أهمية الدعاء وإشارة خاطفة إلى بعض ما أمرنا به ربنا تعالى من دعائه وحده.
أما دعاء غير الله فقد نهى الله تبارك وتعالى عنه أشد النهي وحكم على
فاعله بالضلال وضرب فيه الأمثال وأبدى فيه وأعاد وركز عليه تركيزا قويا
واعتنى بموضوعه أقوى عناية وأشدها وكيف لا يكون كذلك وهو أعلى أنواع
العبادة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" بعريف
الجزءين وهو من طريق القصر المعروفة عند البلاغيين.
ولنشر الآن إلى قليل من كثير مما ورد في القرآن الكريم في هذا الموضوع قال
تعالى مخاطبا نبيه الكريم: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً
وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا
لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ
الظَّالِمِينَ}.
والظلم هنا هو الشرك {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ
لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ}.
فهذا نهي صريح للنبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء غير الله مهما علت منزلته
وارتفعت درجته سواء كان نبيا أو ملكا مقربا، فهذا أكمل المخلوقات وسيد
المرسلين والنبيين لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا قال تعالى في سورة الأعراف
آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا
ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ
لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا
إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فبديهي أنه
لا يملك ذلك لغيره وصرح بهذا المعنى في آيات أُخر قال الله آمرا نبيه صلى
الله عليه وسلم: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً}.
{قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}.
{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.
وقال صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
الأَقْرَبِينَ}: "يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم من الله لا
أغني عنكم من الله شيئا.
يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله
لا أغني عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا
أغني عنك من الله شيئا".
فإذا كان أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم كذلك، فغيره أبعد عن ذلك وأبعد،
فهذه البيانات الواضحة والتصريحات القوية التي تصدر عن أصدق القائلين
الهدف الأصيل منها أن يقطع المؤمن الصادق كل أمل وكل رجاء من غير الله
ويتجه بدعائه ورجائه ورغباته وكل مطالبه إلى الله وحده مباشرة.
ولذا قال عقب هذه الآية التي تلوناها عليكم من سورة يونس: {وَإِنْ
يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ
يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ}.
وقال في سورة الأنعام مستعملا الأسلوب نفسه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ
بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
2_ وقال تعالى ضاربا مثلا لحال من يدعو غير الله: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى
أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ
الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى
الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا
لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
شبهت حال من يدعو غير الله بحال شخص استولت عليه الشياطين فحرفته عن
الجادة فهو تائه مضطرب الفكر والعقل ذاهب اللب يتخبط في سيره لا يهتدي
لجهة ولا يعرف مقصدا في الوقت الذي يدعي فيه إلى خلاصه والطريق الذي فيه
نجاحه وفلاحه فيمعن ويوغل في البعد عن طريق الخلاص والنجاة حتى يلقى هلاكه
ومصيره المشئوم.
3_ وقال ضاربا مثلا لخيبة الأمل التي يُمنى بها من يدعو غير الله: {لَهُ
دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ
لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ
فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي
ضَلالٍ}.
فهل يستجيب ماء بئر في الدنيا لمن وقف على حافته يمد كفيه ويبسطهما إليه ولو كان ملتهب الأحشاء محترق الفؤاد من الظمأ؟
4_ وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً
وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا
يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}.
وهذا تصوير صحيح لواقع كل مدعو من دون الله وأن من في السموات والأرض لو
اجتمعوا لخلق ذرة فضلا عن ذباب لا يستطيعون، ولوقفوا عاجزين وهذا غاية
الغايات في العجز، فإذا كان هذا حال المدعوين فلماذا لا يثوب الداعون لهم
إلى رشدهم ولذا قال ما قدروا حق قدره إن الله لقوي عزيز، فهو قادر على كل
شيء غالب على كل شيء غنما أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون،
والواقع أن الذين يستجيزون لأنفسهم دعاء غير الله مضروب لهم ومن جراء
فقدان هذا الشعور والإحساس لم يرهفوا أسماعهم لهذا المثل الذي قال الله
فيه فاستمعوا له وإلا لكان لهم منه أكبر زاجر وأقوى رادع ولفتحوا أسماعهم
وأبصارهم وأفئدتهم على قدرة الله الهائلة التي يصغر أمامها كل شيء فاتجهوا
إليه وحده ضارعين وداعين.